جـــزاء سنمــار

منذ أيام عاودني الحنين إلى قلمي الذي أحب، فأردت أن أرمق هذا المجتمع، وأسطر الأحداث كما هي، فقمت بزيارة إلى بعض المرافق الحكومية، ومن بين تلك الزيارات ذهبت إلى دار يقال لها دار المسنين. واتجهت إلى إحدى الغرف القريبة، طرقت الباب، وولجته مشفقة على من في الداخل، فإذا بعجوز دامعة العينين، تخنقها آهات تسعين من الزمن. جلست بالقرب منها، وقلت لها: حدثيني عما يجيش في نفسك من ألم، حدثيني ولا تنزفي هذه الدموع الحزينة. بقيت واجمة ولم تتحدث، فانتظرت مليا...، وبعد ذلك نطقت وردد قلمي صداها يكتب ويقول: ما أجمل الليل! يحمل في سكونه وهدوئه جمال الطبيعة، ويؤنس قلب عجوز حزينة، بكت دما من شدة المصيبة، ودائما تتذكر في هذا الليل الطويل من احتضنته صغيرا، وكان في المهد بريئا، تعبت وذاقت المر حلوا من أجله، تمنت أن يكبر وترى فيه ذاك الأمل، ترعرع شيئا فشيئا، وأصبح رجلا، نسي ذاك المعروف، وأصبحت أمه نسيا منسيا. وقف على قدميه شامخا، وأخذ أمه ووضعها في دار المسنين. لقد أخطأنا عندما قلنا دار ليتنا قلنا عالما يضم عبرات حزينة، يضم حرقة قلوب رحيمة، وممن يا ترى؟! من فلذات الأكباد. أيها الطير أمازلت صداحا، ارفع الصوت بالأهازيج والغناء، علك تحرك مشاعر الأبناء. علك تضمد جراح الأمهات والآباء، ما الذي يدفع هذا الابن حتى يلقي بأمه في تلك الدار؟! نشر في مجلة (الأدب الإسلامي ) عدد (29)بتاريخ (1422هـ)