الاتجاه الإسلامي فـي الشعر الفلسطيني المعاصر

ينطلق الشاعر في الاتجاه الديني من تصور ديني في نظرته إلى الكون والإنسان والحياة، وفي نظرته إلى القضايا والأحداث، والأشخاص والمشكلات، وفي تعبيره عن العواطف والمشاعر. وقد نجد بذورا للاتجاه الديني أو لمحات منه في شعر بعض الشعراء، ممن ليسوا من أصحاب الفكر الديني، بل من دعاة الفكر الوطني أو القومي أو الأممي، وقد تظهر هذه اللمحات نتيجة للثقافة أو المشاعر، لا نتيجة النظرة الشاملة المنبثقة من التصور الديني الكامل. تأثر الشعراء الفلسطينيون بما تأثر به كثير من مثقفي البلدان التي شهدت حروبا وويلات في العصر الحديث، فهزت القواعد الفكرية لهذا البلد أو ذاك، وزعزعت بنيانه الاجتماعي، وذلك منذ الهجمة الشرسة للحركات الاستعمارية التي ظهرت آثارها منذ القرن التاسع عشر للميلاد أو قبل ذلك! ومن أبرز شعراء هذا الاتجاه في فلسطين، حسب التسلسل الزمني الشيخ يوسف النبهاني، محمد العدناني، إبراهيم طوقان، عبد الرحيم محمود، هارون هاشم رشيد، علي هاشم رشيد، محيي الدين الحاج عيسى، حسن البحيري، عدنان النحوي، محمد صيام، أحمد فرح عقيلان، أحمد محمد صديق، عبد الرحمن بارود، محمود مفلح، مأمون جرار، كمال رشيد، سعيد تيم، كمال الوحيدي. وسنقدم فيما يلي نماذج متنوعة في الاتجاه الديني في الشعر الفلسطيني المعاصر، أنشدها الشعراء إما من منطلقات دينية لدى بعضهم، أو أنها وردت كلمحات من دعاة الفكر الوطني أو القومي أو الأممي، نتيجة لشعور بواقع أليم، أو تجاوبا مع حدث بارز، ذي صلة بقضية الوطن والمواطن، سواء كان في فلسطين أو في أي قطر عربي آخر. أولا: الأنبياء والصحابة والقادة يشير إبراهيم طوقان إلى أن الأنبياء ملهمون، حملوا للأنام رسالات مليئة بالهدى والنور، حيث قال: (الرجز التام) للأنبيــــاء أرفــــع المقـام يحف بالجلال والإكرام وعندهم روائع الإلهام فيها الهدى والنور للأنام وغاية الكمال في الإيمان(1) بعبارات قصيرة أعرب الشاعر عن معان كثيرة بلغت قمة الجمال والقوة فكانت بليغة بجدارة. ونظم يوسف النبهاني مدائح كثيرة في النبي محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم، معددا صفات الرسول صلى الله عليه وسلم وأثر رسالته في العالم، وفضل القرآن وبلاغته، حتى باتت مؤلفاته من أشهر المصادر في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم. وجاء في مدحه للرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم قوله: الخفيف التام لقبوه الأمين من قبل هذا وقليل بين الورى الأمناء لا كتاب ولا حساب ولاغر بة طالت له ولا استخفاء بكتاب من المليك أتاهم كل لفظ بصدقه طغراء(1) حجة الله فوق كل البرايا فيه عن كل حجة إغناء غلب الكل بالبراهبن لكن بعضهم غالب عليه الشقاء(2) أما الشاعر علي هاشم رشيد فيتغنى في قصيدته خالد ابن الوليد ببطولة خالد، الذي خاض معارك كثيرة، من مؤتة إلى العراق إلى اليرموك، وسطر أسمى معاني البطولة في التاريخ، ودعي سيف الله المسلول ومما جاء في هذه القصيدة الطويلة: البسيط التام كانت مضيعة للناس قد هدمت حتى بناها من الأمجاد بانيها يا سيرة سطر التاريخ قصتها أعظم بمن كان للتاريخ يمليها قد سطرت بمداد الفخر صفحتها ومن صميم العلا صيغت قوافيها فليدرس المجد من يبغيه عن بطل قد شاد للعرب صرحا في معاليها في شخصه كان جيشا ناصرا غلبا آلى إلى العرب فتكا في أعاديها يا خالد المجد من سماك خالد هل درى خلودك في التاريخ مسميها قد ارتضعت العلا في المهد فانتصبت فيك المعالي لتنبي عن مربيها. (3) وتبدو موسيقى هذا الشعر المطبوع ترن في الأذن، بينما ترسخ معانيه في القلب، ويزدان هذا الشعر بالبحر البسيط، الذي يتلاءم طوله وتفعيلاته مع هذه المعاني، مما يزيده رونقا وجمالا. أما الشاعر أحمد فرح عقيلان فيتخذ من الفاتح الإسلامي المظفر صلاح الدين الذي ينتصر على الصليبيين في حطين سنة 1187م. واستعاد القدس رمزا دافعا للجهاد: يا أخا المجد إن صوت صلاح فوق حطين ما يزال ينادي صرخت في الذرا جماجم أجدا دك تنعى رجولة الأحفاد كلما داسها اليهودي صاحت يا لخزي التاريخ من أولادي وصمة حركت عزائم موتانا فثارت عظامهم للجلاد(4) ثانيا: الكتب السماوية: يخاطب الشاعر عدنان النحوي ربى الأقصى وهو يرى تعاقب الأنبياء على الأرض المقدسة وما أنزل الله عليهم من كتب، وأنهم ليس يربطهم نسب سوى الإسلام آصرة وقربى فيقول: ألست على هدى الإسلام نايا يرجع فيك آيات ودينا على مزمار داود الليالي يموج خشوعها رهبا ولينا وتجري من سليمان الغوالي بيان نبوة قطع الظنونا تمر يد المسيح على الروابي لتمسح منك جرحك والجفونا جمعت بسيد الرسل الأماني وبالقرآن ذكرا مستبينا أولئك ليس من نسب إليهم ولا رحم يشد المدعينا سوى الإسلام آصرة وقربى يوثق من عراها المؤمنونا (5) ونشرت في ديوان عبد الرحيم محمود عدة أبيات من قصيدة القرآن الكريم المفقودة، جاء فيها قوله: المتقارب التام كتاب أضاء دياجي الظلم وأهدى الأنام لأهدى أمم وكان الرعاة رعاة الشياه فصار الرعاة رعاة الأمم كلام العظيم عظيم الكلام فجل العظيم وجل الكلم(6) ثالثا: الأماكن المقدسة توجد في فلسطين أماكن مقدسة كثيرة، أهمها المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي. وقد نظم فيها الشعراء قصائد عديدة فالشاعر حسن البحيري يؤكد أن النار تشتعل في صدره وهو يرى كل مكان في المسجد الأقصى مغموما مكتئبا لوقوعه أسيرا بيد البغاة، وليس من ينتصر له، ويقول: البسيط التام وقفت في المسجد الأقصى أسائله والنار في جنبات الصدر تستعر ما بال محرابك الطهري تفجره ظلال غم دجاها ليس ينحسر وما لمنبرك القدسي مكتئبا فما عليه لصوت الحق منتبر وللمآذن قد غابت أهلتها فما عليها لإشراق الهدى أثر فقال مستعبرا والروع ينطقه والأرض من تحته البركان ينفجر رمى البغاة رحابي رمي منتقم وليس لي من مرامي حقدهم وزر وليس لي من ذوي القربى أخو شمم وليس لي من طغاة الجور منتصر(7) ثم يعرج الشاعر على الناصرة وكنيسة القيامة وبيت لحم فيصف أحوالها قائلا: البسيط التام ففي القيامة هامات منكسة يدمي أكاليلها الشوك الذي ضفروا يا ويلتا أسكتت أجراسها، وغدا يبكي لآلام فاديها بها الحجر وفي ذرا بيت لحم فوق مذودها ومهدها مد من ليل الأسى أزر فلا ترانيمها فيها مرتلة وليس تحت قباب النور معتمر وجارة الطور (8) والأحداث تحجبها مادت بأحزان أيقوناتها الجدر جراحها وتصاريف تكابدها مشت ركاب بها واستصرخت نذر(9) نحس في هذه القصيدة أن قلب الشاعر يكاد ينفطر ألما ولوعة على ما حل بفلسطين ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، من احتلال وامتهان وإذلال وتدنيس، مثلما نحس أن المقدسات ذاتها تبدو صامتة مكتئبة تكاد تنبتر، ومع هذا كله فهي لا تجد ذا حمية وعزة من ذوي القربى ينتصر لها، ويحررها من دنس المحتلين البغاة. ويعرب الشاعر كامل الدجاني عن حنينه وشوقه إلى المحراب والحرم والدار التي أقصي عنها بقوله: الوافر حنـــين لا يـــــروح وادكــــار وآلام وآمـــــال تثـــــــــار إلــى محراب روحك في صفاء تــــوجه كلـما طلع النهار إلى الحرم الذي اجتمعت عليه قوى الدنيا، فأجلتها الشفار إلى الدار التي أقصيت عنها حداة الركب شوق وادكار(10) رابعا: المناسبات الدينية اشتهر شعب فلسطين بإقامة احتفالات بالمناسبات الدينية، وجعل لها مراسيم خاصة، ولاسيما في عيد الفطر، وعيد الأضحى، وليلة القدر حتى باتت موضع إعجاب شعوب العالم كافة. وبمناسبة شهر رمضان المبارك نظم عبد الكريم الكرمي قصيدة عنوانها: رمضان السمح الكريم جاء فيها: الخفيف التام رمضان السمح الكريم يد الله عـلى العالمين عذب النمير ضمخ العرب بالطيوب فكانوا وحـــــدة فــي صحيفة المقدور إيه شهر الصيام طهرت روحي وفـؤادي ومــــا يجن ضميري في لياليك أسمع النغم العلـ وي يسـري مغلغلا في الدهور أنت من علم المساواة، فالناس ســــــواء، فـــــي بـردك المنثور أنت وحدتهم فلا فرق ما بين يتـــــيم وبــــــين رب ســـــرير عالم أنت من صفاء وطهر وأمــان وأنـــت دنيـا شعور(11) وبمناسبة عيد الفطر يوجه الشاعر هارون هاشم رشيد، في سنة 1951م، أنات وأمنيات في قصيدة له إلى إخوانه اللاجئين، الذين يطالعون العيد بحسرة ولوعة، فيقول : مجزوء الوافر أعيد الفطر، هل للاجئ المحروم من فطر؟ أعيد الفطر هل تدري؟ ترى أم أنت لا تدري؟ أتدري أن خير الناس قد ضلوا على القفر؟ وهام الإخوة الأحرار، من قطر إلى قطر وليس لهم سوى التأنيب والتقريع والزجر(12) ويلتفت الشاعر حسن البحيري إلى ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم مستلهما الذكرى الكريمة بقوله: الكامل يا يـــوم ميــلاد النبي محمد يا مفردا في الدهر عن أضرابه ما كنت ذكرى مأكل أو مشرب أو ملبس تغري بروق سرابه ما كنت إلا عبرة لأولي النهى كر الزمان بها على أحقابه ما كنت إلا ذكرة وضاءة ضاءت لذكراها سبيل صوابه(13) ومن ذكرى هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام يستلهم الشاعر عبد الرحيم محمود المعاني الخالدات، ويأمل الشاعر في سنة 1945م أن تلي هجرة شعبه - إذا حدثت كما توقع - عودة مظفرة، مثلما حصل إثر هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم الرمل التام لم تكن هجرة طه فرة إنما كانت على التحقيق كرة كانقباض الليث ينوي وثبة وانقباض الليث في الوثبة سورة نصروا الله فلم يخذلهم بل جزاهم ربهم فوزا ونصرة فمشوا في الناس نورا وهدى وبدوا فوق جبين الدهر غرة ركزوا أرماحهم فوق العلا وحدا الحادي بهم عزا وشهرة لا يصون الحد إلا جدة ويذيب القيد إلا نار ثورة هاجر الهادي إلى رجعى فإن نحن هاجرنا فماذا بعد هجرة؟ وإذا نحن خرجنا في غد هل يحن الناس للأقصى بزورة؟ ليس يحمي الحق إلا فتكة ويعيد الحق فينا غير قسرة(14) لقد أحس الشاعر عندما صور هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بانقباض الأسد حتى يعود وينقض على فريسته، غير أن الشاعر يشكك في قدرة الفلسطينيين على العودة إذا نزحوا، ويقرر أن الحق لا يصان بغير القوة، ولا يعاد بغير سحق الأعداء. وكان لذكرى الإسراء والمعراج الخالدة أثر بالغ في نفوس الشعراء وهي التي تمتلئ بالعبر والفوائد ولكم يتألم الشعراء عندما تمر ذكراها، والقدس ترزح تحت الاحتلال، والشعب بين مكبل ومشرد. وهذا هو الشاعر هارون هاشم رشيد يقول مخاطبا أرض الإسراء والمعراج: الرمل التام اسألوها كيف لبينا النداء ومشينا نقحم الهول اقتداء ليت شعري كيف سرنا عزلا نتحدى البغي.. عزما ومضاء ليت شعري أين منها شعبها شيعت يافا وحيفا البسلاء ليت شعري أين أبطال الحمى ما لهم لا ينقذون الأسراء؟ وحماة الدين ما أقعدهم عن فلسطين فما شدوا اللواء كيف لا تدفعهم نخوتهم والقداسات تنادي النصراء صرخات لو أصابت جبلا لهوى من هولها حزنا وناء(15) خامسا: حريق المسجد الأقصى وبعد أن أضرم اليهود حريقا في المسجد الأقصى بتاريخ 21 8 1969م، أتى على منبر المسجد، واشتعلت النار في سطحه الجنوبي، وأتت على سقف ثلاثة أروقة وجزء كبير من هذا القسم، بفعل أيد مجرمة تعمدت الجريمة مع سبق الإصرار، وادعت سلطات إسرائيل أن مرتكب الجريمة دينيس مايكل وليم (28 سنة) معتوه، وما لبثت أن أطلقت سراحه. والواقع أن السلطات الإسرائيلية دبرت الجريمة، إذ قطعت المياه عن منطقة الحرم فور ظهور الحريق، وحاولت منع المواطنين العرب وسيارات الإطفاء التي هرعت من البلديات العربية للقيام بإطفائه، ولكنهم اندفعوا وأطفؤوا الحريق. وفضلا عن ذلك فإن أعمال الحفريات - بأمر من هذه السلطات - مستمرة مند عام 1967م حول المسجد وتحته، وتحت الحرم الشريف والمساجد والمدارس وبيوت السكان العرب هناك، على رغم استنكار العالمين الإسلامي والعربي، والمؤتمر العام لليونسكو. يومئذ هب الشعراء وأعلنوا سخطهم على المجرمين، وناشدوا المسلمين والعرب أن يهبوا لإنقاذ المسجد الأقصى وكل فلسطين. وفي هذه المناسبة الأليمة يثور الشاعر محيي الدين الحاج عيسى، ويقول في قصيدة حريق المسجد الأقصى البسيط التام أين الصريخ؟ وأين النار تندلع أم أين ذاك العويل المر يرتفع في القدس؟ في المسجد الأقصى؟ فواحزني عليه، وهو بنار الحقد ينصدع ماذا يريد عدو الله؟ قد عظمت منه الجرائم واستشرى به الجشع بالأمس قد سلب العذراء حليتها مستهترا ماله من وازع يزع وداس من حرمات الله أقدسها في القدس، وهو بطبع الشر مندفع واليوم تستهدف الأقصى أذيته يا غيرة الله تغشاه فلا تدع الدين لله من يحرق معابده يلق الجزاء وسخطا ليس يندفع(16) ويبث الشاعر كمال عبد الرحيم رشيد أسفه على حرق المسجد الأقصى بينما المسلمون نيام عن الجهاد، ويعجب كيف لا يغضبون لله غضبة مؤمن، وحق القول: إلى متى ينتظرون؟ وماذا يحرك عواطفهم وإحساسهم؟! وكأني بالشاعر لا يجد غير صلاح الدين يناشده لينهض من قبره ويحرر القدس، فيقول في قصيدة: نداء إلى الأحياء الكامل التام يا ثالث الحرمين حرقك نكبة فيها يزيد الجرح والإيلام إن يحرقوك فليس ذلك بدعة في دينهم بل إنها الأحلام حرب على الدين الحنيف وإنها لطويلة ما طالت الأيام أين الملايين الذين نعدهم أو ليس فيهم فارس مقدام؟ كيف الحقوق تضيع من أصحابها إن كان فيهم مبدأ وحسام قم يا صلاح الدين فالقدس التي حررتها يزهو بها الحاخام فلعل سفر المجد يفتح صفحة فيطل يوم مشرق بسام(17) وإزاء الدعوة إلى السلم على أساس الأمر الواقع، حتى وإن تخلت إسرائيل عن الأرض المحتلة عام 1967 - الضفة الغربية وقطاع غزة - تقف الأغلبية الساحقة من الجماهير العربية عامة، والمسلمة خاصة على النقيض، ذلك أنها تؤمن بعدم شرعية دولة إسرائيل على أرض عربية، إسلامية، اغتصبتها من أهلها وطردتهم منها ظلما وعدوانا سنة 1948م، وأنها ترى أن مثل هذا السلام لا يقوم على العدل، لأنه لا يضمن عودة فلسطين ومقدساتها إلى أهلها الشرعيين ومن ثم إلى الحظيرة العربية والإسلامية. وهذا هو الشاعر محمود سليم الحوت يؤكد هذا الاتجاه حيث يقول: البسيط التام ما السلم.؟ ما الأمن والأعداء في وطني؟ أنا طريد وهم سكان جنته؟ لا، لن ترى السلم إلا بعد عودتنا مع الدمار المغني لحن نقمته نعم سنرجع والدنيا مهللة للنصر، والغرب مفجوع بدولته تلك التي قال عنها إنها خلقت لكي تعيش.. ويبقى مد صولته(18) ثم يقول: البسيط التام لكن سنرجع شاؤوا أم أبوا ولنا بفتح مكة درس ملؤه عبر سنستعيد الجبال الشم صامدة كأنها القدر المحتوم ينتظر والسفح والمنحنى والقاع جارية دموعها فوق خد السهل تنحدر ونسترد الروابي وهي صابرة على الفراق بقلب كاد ينفطر سنستعيد رحاب الدور عانية والشوق مؤتلق فيها ومزدهر ونسترد فراديسا معلقة ما خالط الروح إلا ريحها العطر(19) صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أبرم في عصره معاهدتي صلح: أولاهما مع اليهود في المدينة، وثانيتهما مع المشركين في مكة، فاتفاقية الصلح بالأمس كانت لصالح المسلمين، وكان هدفها تطهير أرض المدينة من رجس اليهود، وتطهير أرض مكة من رجس المشركين.. أما اتفاقية الصلح في هذا العصر - حتى وإن انسحبت قوات إسرائيل من الضفة والقطاع - فإنها ستؤدي إلى اعتراف العرب بأن الأراضي المحتلة منذ عام 1948م هي وطن لليهود لا للعرب! لهذا نجد الشاعر كمال عبد الكريم الوحيدي يرد على الداعين إلى الصلح المذل بقوله: الوافر التام ولكن الســـلام يذل قـومي إذا ولوا عن الأقصى صدودا فليــس الحل في ســلم مهين به الأغلال نلقى والقيودا فما جزار قبية(20) ذا سلام ولا الأخصام نرضاهم شهودا إذا الأرواح لم ترجع حقوقا رضينا الذل واخترنا القعودا رجال المسلمين لم استكنتم لمن خانوا الأمانة والعهودا؟ فهيـــا للنفـــير ولا تــــوانوا أبيدوا الخصم لا تبقوا جحودا(20) ومن علامات الطمع والغرور أن اليهود يريدون صلحا يحفظ لهم المكاسب، ويرضي العرب ويضمن قيام علاقات طيبة بين الفريقين، يقول أحمد فرح عقيلان في هذا الشأن الوافر التام دعاة السلم قد خدعوا وضلوا وما عرفوا النوايا الغادرات وهل هذا الذي عرضوه سلم ألا تعسا لها من مخزيات سترجع ضفة الأردن لكن بما فيها من المستوطنات(21) ويؤكد الشاعر محمد العدناني أن الضعيف لا يدرك حقه، وأن إحقاق الحق يستدعي نشوء قوة عادلة تبطش بالظالمين، وتنتزع منهم الحق المغتصب، حيث يقول: الكامل التام لن يدرك الحق الضعيف تسولا هذا لعمري كله أوهام العدل حيث البطش وار زنده والحق حيث الجيش، وهو لهام والمجد، ما بالدمع يخطب وده مهر النهوض دم يسح، وهام ومتى أراد الشعب نشر بنوده فعلى الجماجم تركز الأعلام(22) وآراء شعراء العرب والمسلمين في هذا الموضوع لاتخرج عن آراء شعراء فلسطين الذين عرضنا لهم فهم جميعا يستندون إلى أحكام دينية أهمها رفض سلام الذليل مع الظالم، يقول الله تعالى: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير(23). والجهاد يكون باليد والمال واللسان والقلب، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم(24). الهـــــــــــــوامش (1) ديوان إبراهيم طوقان ، ص 179 ، مكتبة المحتسب ، عمان ، ودار المسيرة بيروت ط 1 - 1404هـ 1984م (2) المجموعة النبهانية في المدائح النبوية ، مجلد 1 ، ص 222 - 224 ، دار المعرفة بيروت ، ط 2 - 1394هـ 1974م. (3) ديوان أغاني العودة، ص 89-97 . دار ممفيس للطباعة. القاهرة، 1960م. ربا: نما وزاد. أربى: زاد. (4) ديوان جرح الإباء ص55. (5) ملحمة فلسطين، ط2، ص128، دار النحوي للنشر- الرياض. (6) ديوان عبد الرحيم محمود، ص 358 . دار العودة، بيروت ط3 (1987م). (7) لفلسطين أغني، قصيدة المسجد الأقصى ص87-94 . مطبعة دار الحياة، دمشق، ط1 (1399ه 197م). (8) يعني بـجارة الطور الناصرة. (9) لفلسطين أغنى، قصيدة المسجد الأقصى ص 78 - 94 (10) في غمرة النكبة، قصيدة المحراب، ص20 . د.م ، د. ن، ط1 (1391هـ 1971م). (11) ديوان أبي سلمى (عبد الكريم الكرمي) ص34 . دار العودة، بيروت، ط2 (1981م). (12) الأعمال الشعرية الكاملة، ص31 . دار العودة، بيروت ط1. (1981م). (13) ابتسام الضحى ص 59 - 60 ، القاهرة ، ط1 - 1365هـ 1946م. (14) ديوان عبدالرحيم محمود، ص 260 - 265، والسورة : وثبة أو غضب وهياج (15) الأعمال الشعرية الكاملة، ص 138 ، 139 (16) من فلسطين وإليها، ص119-123. حلب 1974م. (17) حسني جرار وأحمد الجدع: شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، ج3،ص107-109. (18) محمود سليم الحوت، ملاحم عربية، ص206 . (19) المصدر السابق، ص205 . (20) حسني جرار وأحمد الجدع: شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، ج7.ص154 و 155 . (21) مأمون فريز جرار: الاتجاه الإسلامي في الشعر الفلسطيني الحديث، ص50 (22) فجر العروبة، ص151 . المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، 1960م. (23) سورة الحج، الآية رقم 39 (24) النسائي - أحمد بن شعيب (215-303هـ): سنن النسائي، بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، وحاشية الإمام السندي. ج6،ص11 باب الجهاد. القاهرة، المكتبة التجارية الكبرى، د. ت. نشر في مجلة (الأدب الإسلامي ) عدد (29)بتاريخ (1422هـ)