الأم .. إلى كل من فقد أمه .. أو سيفقدها

الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا حديث شريف وانتهى الحلم وانتبهت من النو م وأزمعت للتراب مآبا وتهيأت للرحيل سريعا وهجرت الورى وجزت السحابا وتلفت تبحثين عن الدا ر لعل الثرى يحير جوابا أيها الراجعون من رحلة العمــر أنيخوا عند الرحاب الركابا إنها رحلة المعاد الى البد ء فهيا وهيئوا الأنخابا أترعوه .. أترعوا كأسها رحيقا مذابا وانثروا عند رأسها الأطيابا وانفحوها من كل عطر لديكم واسألوها فقد تطيل الغيابا أتراها قد صوحت جنتاها فانتوى روضها الأثير احتجابا وانطوت أغنياتها فاسترابت روحها من يراعها واسترابا أيها السائلون عن عمر أمي والثمانين، قد أسأتم حسابا عمرها عمر روضة نفحتنا وسنروى من عطرها أحقابا إن عمر الحياة من عمر أمي كلما زدت منه زادت شبابا نشأتني .. نشأتني فأحكمت قبضتيها لم توفر صرامة أؤ عقابا كان في كل صيحة بي أمان وبحرمانها جنيت الرغابا إنها وحدها الأمومة تعطي حين يبدو العطاء منها استلابا إنها وحدها الأمومة تحصى كل أخطائها علينا صوابا إنها حين تغلق الباب عنا يفتح الله ألف باب وبابا كلما عن لي بكائي منها زدت حبا لها وطبت انتسابا إنها وحدها تموت لنحيا هل عرفتم لمثلها أضرابا يا فاطر السماوات .. أنت يا فاطر السماوات والأر ض ومعيي المستغرب استغرابا رعت بالمعجزات خلقك حتى عجزوا عن إعجازها إعرابا وزرعت الإحساس والحب فيهم والسجايا ما لذ منها وطابا لكن الأم والعواطف ، منها ولها، أعيت النهى إغرابا وظيفة أم ... لو خلا الكون من وظيفة أم لاستحالت رؤوسنا أذنابا لو خلا البيت من وداعة أم لرأيت الحملان فينا ذئابا لو خلا المهد من ترانيم أم شب أطفالنا عطاشا سغابا لو خلت أمة من الحب للأم رأيت العيون فيها نضابا ولجفت نفوسها من حنان واستحال الخضار فيها يبابا واستوت عندها الجهالة والحلــم وضلت إلى العلا الأسبابا أميرة الحب ... أخبريني أميرة الحب هل بعــدك يبقى الأحباب لي أحبابا أو ترى تمطر السماء حنانا والينابيع تستمر انسكابا وتغنى الطيور نشوى بروض عاد يشكو بعد الرحيل اكتئابا هل ترى الياسمين يزهر من بعــدك والفل يحضن الأعتابا وزهور الليمون تنبض بالعطــر فينساب في الضلوع انسيابا .... اللــه أخبريني ... أخبريني، أميرة العفو، عني من يسمي التلال عندي هضابا ويسمي الهضاب عندي جبالا والسواقي الصغار بحرا عبابا ويسمي الإخفاق عندي نجاحا ويسمي النجاح أمرا عجابا إنها الأم .... إنها تشحذ العزائم فينا إنها الأم تشحن الروح منا إذ تفيض الثناء والإعجابا وحدها .. وحدها الأم .. وحدها دائما تواصل فينا من ثراها الميلاد والإنجابا أميرة الحسن .. أخبريني، أميرة الحسن، عن نف ـسي وذودي عن مقلتي الضبابا أي حضن أريح رأسي عليه بعد أن غاض حضن أمي وغابا أنت حبي فمذ تواريت عني أصبح الخلق كلهم أغرابا وتساوت عندي تضاريس عيشي أثناء سمعته أم سبابا أجمال؟ ما عدت أرجو جمالا ورباب؟ ما عدت أهوى الربابا فالمسرات والمآتم سيا ن وعذبا ما ذقته أو عذابا يستوي عندي الزمان فلا أعــبأ عاما أعيش أو أحقابا يستوي عندي المكان فبيتي من قصي النجوم زاد اقترابا وتصالحت والحياة مع المو ت فعدنا في حينا أترابا هكذا موتها يحيد أبعا دي فأنسى الأعداء والأصحابا والرجالات والوجوه سواء لا مقاما أعي ولا ألقابا هكذا الموت، لا كبير فيستثــنى ولا محتفى به فيحابى الآن .. بعد ستين عاما ... أدرك الآن، بعد ستين عاما أي ضوء قد كنت لي وشهابا منذ فارقتني نعيت حياتي فأنا اليوم لا أسيغ شرابا إن طعم الأشياء عاد غريبا في لساني، وشهدها عاد صابا في شتاء الحياة كنت ربيعي وببرد الأحزان كنت الثيابا في الأعاصير كنت جدران بيتي ولسيفي الجهيد كنت القرابا كنت نسغ الحياة في شرياني وببحر الدموع كنت الرضابا كنت إذ تسمعين شعري كأني أقبس الوحي منك والآدابا كنت ذوقي وكنت لحني وسمعي بعد أذنيك عدت كلا معابا وبأذني أينما أتولى غصة تسمع الغناء انتحابا فلمن أقرأ القصائد من بعدك يا أم أو أخط خطابا و الهوى والشباب مع من أغنيـها وقد عزمت انسحابا إن للأمهات روحا دفينا لا نراه حتى يلجن الترابا يا رضا الأم ... يا رضا الأمهات أنت نعيم قد عجزنا لسره استيعابا ورضا الأمهات بعض رضا اللـــه، فإما أجبتهن استجابا بلادي .. أي بلادي .. كنت لي حبل سرتي لبلادي كيف أرجو إذا ذهبت إيابا كان في لاذقية الحب بيت لي، فأضحى من بعد أمي خرابا كان في لاذقيتي لي مراح أذرع السهل والذرى والغابا فإذا الأرض بعدها أنكرتني ووجوه أنكرت فيها انقلابا هاتفي ... هاتفي ... أيها الهاتف الجحود تكلم ففؤادي لبوحها العذب ذابا أي رقم أدير كي يتناهى صوتها لي، فقد ذبحت ارتقابا آه ... هاتف؟ أي هاتف أرتجيه بعد أمي فيشفي الآرابا أين مني رسالة أو جواب بعدها لم أعد أرجي جوابا وكتاب أتلوه .. بعد كتاب الــله ماعدت أستلذ كتابا أماه .... أماه ... أماه ... إيه أماه . كم شجتك شجوني ونزفت الدموع والأعصابا حملوا قلبك الضعيف هموما من جبال ، ولوعة واغترابا فهوى راكعا إلى الأرض يشكو طعنات تغتاله وحرابا قدر الأمهات ... قدر الأمهات .. آهات .. آهات قدر الأمهات أن كن درعا يتلقى الأوزار والأوصابا قدر الأمهات وضع ودمع وليال تفني الرجال الصلابا الله .. حكمة الله ... حكمة الله أن يموت مع الميــت شعور يزيد فيه العذابا لو بكى راحل لحزن بنيه لأذبت العيون والأهدابا ولأسمعت كل حي صراخا ونحيبا يحير الألبابا كل سلواي بعد موتك أني إن توفيت لن تموتي ارتعابا أماه .. أماه .. أماه .. إيه أماه .. لن تزال جراحي تتأبى على الزمان غضابا كيف أرجو من بعد أمي حياة لا أرى ، بعدها، لها أسبابا كيف أختار قبلتي واتجاهي إذ فقدت الإمام والمحرابا كيف تحلو لي الحياة ونصفي تحت هذا التراب أضحى ترابا خلتني كلما وطئت ترابا أسمعتني من التراب عتابا حسبي الله .. نحن لولا الإيمان .. نحن لولا الإيمان لا شيء .. نحن لولا الإيمان صرعى أسانا وبإيماننا نروض الصعابا اسمعي .. اسمعي .. تسمعين أماه ؟!! تسمعين الخطا تعربد فوق الســطح فالصاخبون جنوا اصطخابا ونسوا الموت بعد دفنك حالا نسي الموت .. فحسودا وسارقا وخؤونا وظلوما وأثيما كذابا نسي الموت ... نسي الموت في ثوان فهذا يسرع الخطو كي يصفي حسابا ولسان ما زال ينهش في عر ض أخيه أصابه ما أصابا ويد خلفه تريد أذاه ويد خلفها تريد انتهابا ويد الموت حلف كل الأيادي أوشكت أن تصادر الأسلابا لعبة الموت والحياة .. فما أحــمق من ذاق عيشه فاستطابا أيها الهاجعون .. أيها الهاجعون أفيقوا .. أيها الهاجعون عن زائر الموت أفيقوا وأشرعوا الأبوابا كيف يرجو امرؤ حلاوة عيش ورحى الموت كشرت أنيابا أيها الراتعون في الأرض ، هونا أين تبغون؟ قد خطا الأعتابا إنه في الديار ينتظر الأمـــر لطرق الأبواب بابا فبابا حاملا سطوة الكرى بيديه وبعينيه ثورة واضطرابا وعلى كفه الجريئة سيف ولبين أتى يهيج غرابا تاركا في قرارة الأرض جرحا هيأته لنا المنون ركابا إنه الموت .. لن يوفر نفسا فاكسروا الدف واقلبوا الأكوابا واستعدوا ليوم أمر وشيك نستوي فيه شيبة وشبابا رحمة الموت ... الله ... أنت يا موت رحمة، نحن لولاك لضاقت حياتنا إرهابا أنت يا موت نعمة، نحن لولاك لزدنا مرارة وانتكابا ولزاد العالون فينا علوا وانتهاكا وقسوة واغتصابا واستشاط البغاة بغيا وكبرا وأقاموا نفوسهم أربابا أنت يا موت بلسم للبرايا لو تركت الورى أتوك طلابا أماه .. أماه .. أماه أنت تمضين .. وأبقى ..؟! لهف نفسي عليك يا أم : تمضيــن وأبقى؟! ما زلت أغلي ارتيابا في بكائي عليك أبدو صبيا كلنا في رحيلها يتصابى أنا أبقى يا أم ـ ما دمت ـ طفلا فإذا ما رحلت شبت وشابا فعن الثغر قد نفيت ابتساما وعن الشيب قد أزحت النقابا إن من رحمة الإله علينا أن موت الحبيب يبدو سرابا فإذا مرت الليالي علينا أسفر الصبح واكتشفنا المصابا أنت يا أم... أنت يا قصيد القصائد .. يا قصيد القصائد الغر تنئيــن وتبقى الآفاق منك خصابا كنت كالروح تبعثين الأغاني من حناياك فتية أنجابا كنت كالطير ينشد الشعر عفوا لم يكن خائفا ولا هيابا كنت كالنسر تنشدين المعالي حولك الطير تهتدي أسرابا ثم حل المغيب فاخترت ركنا في الأعالي يغير منه العقابا هكذا شئت أن تموتي وقوفا وكذا الصافنات تهوي انتصابا شرف الموت أن تظل كبيرا أخطأ الحي حكمه أو أصابا بانتظار اللقاء .. يا إلهي إن كنت أرجو ثوابا فاجعل الملتقى بأمي ثوابا في نعيم يضمنا فيه بيت لا نعاني موتا به أو غيابا بانتظار اللقاء أبقى رهينا وعلى الأمنيات ألقي الحجابا سوف أبقى هنا وفاء لعهد لي مع الله أبتغيه المتابا ثم أفضي إليك فردا وحيدا عند رب نعنو إليه الرقابا هكذا ... هكذا تركض الحياة ، فطفلا فشبابا فشيبة فترابا إنما العمر ساعة أو ثوان ثم نمضي .. كما أضأت ثقابا إنما المرء صفحة في كتاب وستطوي الأيام هذا الكتابا نشر في مجلة (الأدب الإسلامي ) عدد (29)بتاريخ (1422هـ)