الاعتكاف.. فرصة عظيمة للقرب من الله

ا أجمل أن يتفرغ الإنسان بعض الوقت لمناجاة ربه والتقرب منه، يبتعد فيها عن شواغل الدنيا وملهيات الحياة، يترك فيها الدنيا وما اشتملت عليه من صخب ونصب وتعب، يجمع شتات قلبه، ويلم شعث نفسه، ويجعل من عمره ساعات يقضيها بين مناجاة لمولاه، وطاعة لخالقه، وتفكر في معاده، وانشغال بآخرته، فيقوى بذلك إيمانه ويزيد يقينه، ويعلم حقيقة هذه الدنيا وزوالها، وسرعة انقضائها، ويتأمل في ملكوت الله جل وعلا، وعظمته وجلاله. إن الاعتكاف يحقق كثيرا من ذلك، فهو عبادة تجمع كثيرا من الطاعات والقربات كتلاوة القرآن والصلاة والذكر والدعاء وغيرها، ولا شك أن فيه بعضا من المشقة والبعد عن الرفاهية والراحة، ولكن ثوابه عظيم وأجره جزيل لمن أخلص النية فيه لله رب العالمين. يقول الشيخ عبد الله بن جبرين: إن الحكمة من الاعتكاف الانقطاع عن الدنيا، وعن الانشغال بها وبأهلها، و التفرغ للعبادة، و الاستكثار منها، حقيقة الاعتكاف: الاعتكاف هو لزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلى الله جل وعلا بأنواع الطاعات والعبادات من ذكر وتسبيح وقراءة للقران وصلاة وغير ذلك. وإنما كان الاعتكاف في المساجد لأجل ألا يترك صلاة الجماعة مع المسلمين التي هي علامة و شعيرة من شعائر الإسلام، كما ذكر ذلك فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله. فضل الاعتكاف الاعتكاف سنة وقربة يتقرب بها إلى الله جل وعلا وقد نوه القرآن الكريم بذكره في مواضع عدة من ذلك قوله تعالى وطهر بيتي للطائفين والعاكفين وقوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ولذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على الاعتكاف وحرص عليه في رمضان، حتى إنه لما تركه سنة من السنوات، اعتكف في شوال تعويضا له وما ذاك إلا لما له من فضل ومنزلة. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما. رواه البخاري وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده. متفق عليه وجدير بالمسلم الحريص على الاعتكاف أن يحرص على معرفة بعض أحكامه وما يتعلق به ليزداد بذلك بصيرة واتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم وقت دخول المعتكف متى ما دخل المعتكف المسجد ونوى الاعتكاف صار معتكفا حتى يخرج منه فإن نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان فإنه يدخل معتكفه بعد صلاة الفجر لما روته عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء، فيصلي الصبح، ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها فضربت خباء فلما رأته زينب ابنة جحش ضربت خباء آخر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية، فقال: ما هذا ؟ فأخبر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم البر ترون بهن فترك الاعتكاف ذلك الشهر، ثم اعتكف عشرا من شوال. رواه البخاري ومسلم. ما يستحب للمعتكف يستحب للمعتكف ما يلي: 1-أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفعلون. 2-أن يعتكف في غير رمضان في حالة عدم استطاعته الاعتكاف في رمضان كما فعل عليه الصلاة والسلام عندما اعتكف في شوال لعدم اعتكافه في رمضان. 3-الإكثار من الطاعات كالصلاة وتلاوة القرآن والذكر. 4- اجتناب ما لا يعنيه من الأقوال فيجتنب الجدال والمراء والسباب ونحو ذلك. 5-أن يلزم مكانا معينا من المسجد لما ثبت في صحيح مسلم عن نافع قال: وقد أراني عبد الله (يعني ابن عمر) المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد. 6- أن يضع فيه خباء ينفرد به عن الناس ويخلو فيه بربه. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه يفعلون. فقد روت عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها، فضربت خباء فلما رأته زينب ابنة جحش ضربت خباء آخر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية، فقال: ما هذا ؟ فأخبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم البر ترون بهن فترك الاعتكاف ذلك الشهر، ثم اعتكف عشرا من شوال. رواه البخاري ومسلم. ما يباح للمعتكف يباح للمعتكف بعض الأمور التي يحتاج إليها منها: 1- يجوز له أن يعتكف في أي وقت والمدة التي يشاؤها. 2- الخروج لما لا بد منه لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا و لا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه. رواه أبو داود 3- الأكل والشرب في المسجد وينام فيه مع المحافظة على نظافته وصيانته. 4- الكلام المباح لحاجته أو محادثة غيره. 5- ترجيل شعره وتقليم أظفاره وتنظيف بدنه ولبس أحسن الثياب والتطيب بالطيب على أن يكون ذلك بما يحفظ كرامة المسجد فيكون خارجا عنه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون معتكفا في المسجد فيناولني رأسه من خلل الحجرة فأغسل رأسه، وفي رواية : فأرجله متفق عليه. 6- خروجه من المعتكف لتوديع أهله عند الحاجة لذلك لحديث صفية أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت لأنقلب (أي لأنصرف) فقام معي ليقلبني (أي ليوصلني)، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما إنها صفية بنت حيي. فقالا سبحان الله يا رسول الله ! قال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا. أو قال شيئا. رواه البخاري ومسلم ما يكره في الاعتكاف 1-البيع والشراء حال اعتكافه إلى لما لا بد له منه كشرائه طعاما ونحو ذلك. 2-الكلام بما لا فائدة فيه 3-إضاعة الوقت في غير العبادة والطاعة والتقرب إلى الله جل وعلا. 4- الصمت عن الكلام مطلقا. مبطلات الاعتكاف 1-الخروج من المسجد لغير حاجة عمدا ولو قل 2-ذهاب العقل بجنون أو سكر 3-الردة أعاذنا الله وإياكم منها 4-الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة لفوات شرط الطهارة من الحدث الأكبر 5- الجماع أو التقاء الختانين بعض التنبيهات 1- من شرع في الاعتكاف متطوعا ثم قطعه استحب له قضاؤه : لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها السابق ذكره حيث قطع النبي صلى الله عليه وسلم اعتكافه بعد أن دخله ثم قضاه بعد ذلك في شوال 2- للمرأة الاعتكاف في المسجد إن أمنت الفتنة وبشرط إذن زوجها، فإن اعتكفت بغير إذنه فله إخراجها والأحكام المتعلقة بالاعتكاف بالنسبة إلى المرأة كالرجل إلا إذا حاضت بطل اعتكافها، فإن طهرت عادت فأكملته ويسن استتار المعتكفة بخباء في مكان لا يصلي في الرجال. 3- من نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لم يجز له الاعتكاف في غيره وإن نذره في المسجد النبوي وجب عليه الاعتكاف فيه أو في المسجد الحرام وإن نذره في المسجد الأقصى وجب عليه الاعتكاف في أحد هذه المساجد الثلاثة. 4- إذا عزم المسلم على الاعتكاف فعليه أن يختار المسجد الذي تصلى فيه الجمعة، حتى لا يخرج من معتكفه إلا عند انتهاء مدة الاعتكاف، و الأفضل أن يكون في زمان فاضل تضاعف فيه العبادات حتى يجمع بين فضل الزمان و فضل المكان. 5- أن يحرص على الاعتكاف في المساجد الفاضلة: المسجد الحرام، و المسجد النبوي، والمسجد الأقصى، و ذلك لفضل العبادة في تلك المساجد، و أما بقية مساجد الدنيا فإنها متساوية.