كاواباتا أديب اليابان المهلم .. لايزال الجبل يردد صوته!!

تعتبر رواية صوت الجبل من أهم أعمال الروائي الياباني الراحل كاواباتا? وفيها دلالات نحو الحياة النشطة التي عاشها من خلال الإشارة في لمسات رمزية إلى بعض ما فعله اليابانيون بعد الحرب العالمية الثانية للخروج ببلادهم من الدمار. وبطل الرواية(شينجو) رب أسرة يستمع إلى شكاوى أبنائه ويسعى إلى حل مشاكلهم. يتناهى إليه صوت الجبل غالبا عندما يخلو بنفسه. إنه هاجس الموت ونداؤه. حلم غريب وفي الرواية حلم غريب جدير بالتأمل. ذلك أن شينجو يرى في حلمه رجلا أمريكيا وجهه مغطى بشوارب من جميع الجنسيات! بعض الدارسين يعتبرونه إشارة خفية إلى إعجاب شينجو بكنته? فضلا عن المشكلات الاجتماعية المحيطة. لكن الرواية مكتوبة في منتصف القرن الماضي(القرن العشرين)? أي بعد خمس سنوات من الاحتلال الأمريكي لليابان، وهو احتلال بغيض وجارح للوجدان القومي والكرامة الوطنية. ولاشك أن الكاتب يرمز إلى دور الأمم المتحدة الساكت عن ذلك الاحتلال. طوكيو تدمر مرتين! كان كاواباتا في تلك الفترة رئيسا لرابطة الشعراء والكتاب والمحررين الدولية? وله إسهامات كبرى في تعريف العالم على فظائع القنبلة الذرية في هيروشيما وناجازاكي. ولقد شهد دمار طوكيو مرتين: الأولى في 1923 بفعل الزلزال الكبير? والثانية بالقصف الأمريكي. ولأنه كان كثير التجوال في أحياء العاصمة وبين أنقاضها? فلابد أن يكون لذلك الحلم دلالاته? وبخاصة أنه كتب مرة: (الأحلام ليست إلا أشباحا). هاجس الموت ومن الأعمال التي ألفهاكاواباتا وتسترعي الوقوف عندها الحسناوات المخدرات، وهي الرواية التي ترصد الصراع بين الشباب والشيخوخة? بين الجمال والبشاعة? بين الحياة في أبهى صورها وبين الموت المتربص في جوف الليل. في أحداثها الدراماتيكية العجوز (إيجوتشي) يلجأ إلى دار مشبوهة حيث يجري فيها تخدير الفتيات الجميلات لينمن في أسرتهن، ثم يأتي رجال دخلوا مرحلة العجز ولم يعد منهم أي خطر? يأتون ليستمتعوا بالدفء ومنظر الجمال النائم أو المنوم. إنها رواية مرعبة من عدة جوانب وتطرح تساؤلات فلسفية عديدة: ما الذي دفع بهؤلاء الفتيات إلى المتاجرة بعراء أجسادهن وهن مخدرات لا يمكن إيقاظهن إلا بعد رحيل الزوار؟ ومن ناحية ثانية? كيف يصل انحطاط القيم والأخلاق إلى حد المتاجرة بمنظر ذلك بأجساد عارية شبه الميت؟ وأيضا كيف يدفع هاجس الموت المعلق فوق الرؤوس بعض الرجال إلى ارتكاب ذلك الإثم الفظيع موت أو انتحار كانت مفاجأة محزنة لجميع المعجبين بأدب كاواباتا أن يوجد ميتا بسبب تسرب الغاز في 16 أبريل 1972? من دون أن يترك أي كلمة وهو ما فسره البعض بأنه كان انتحارا. ورغم مرور سنوات طويلة على رحليه تبقى أعمال كاواباتا تحتفي بكل أنواع الجمال حتى في التقاليد الغاربة التي دمرتها الحداثة، فبساطة أسلوب كاواباتا تخفي وراءها عمق العاطفة وتشابك المعاني، وكتاباته تصدم القارئ بسبب حالة الانهيار الأخلاقي التي يعيشها الإنسان المعاصر في كثير من أصقاع الأرض.