الصمت والجدار.. صور للحياة اليومية في الجزائر!

??اسم الكتاب: الصمت والجدار اسم المؤلف: عبد القادر بن سالم ??منشورات الاختلاف ( الجزائر) 2001م ??ست عشرة قصة قصيرة يكتبها عبد القادر بن سالم، وهو أستاذ في إحدى جامعات ولاية بشار الجزائرية، وقد اقتبس تفاصيلها من واقع الأزمة الصعبة التي يمر بها الشعب الجزائري منذ حوالي عشر سنوات، جراء أعمال عنف، راح ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين دون وجه حق. القصص جميعها كما يقول الكاتب في إهدائه تحمل عمق المرحلة، وتحاور معادلات الواقع التي يصعب التمييز فيها بين الوطنية والنفاق والمتاجرة بالدين. البداية ..ثرثرة يبدأ مسلسل القصص بقصة تحمل عنوان ثرثرة نائب، وفيها يعلن الكاتب رأيه عن خيبة الأمل التي أصابت الشعب الجزائري جراء انتخابات كاذبة، وذلك من خلال الحديث عن النائب المنتظر ليمثل الأمة الجزائرية، ويساعد في خروجها من رحى الفوضى التي تطحنها. يعرف أكثر من غيره أنه أتعب الكثيرين في حملته الانتخابية الأخيرة .. كان يعاملهم بلطف أحيانا ينحني لهم حتى ظن البعض أنه قد غدا من أهل الدروشة، خاصة وأنه وعلى غير العادة أضحى يتردد على مساجد المدينة بالتناوب لحضور صلاة العصر وأحيانا المغرب، وكثيرا ما اقتحمها دون طهارة ... يعترف أيضا أن ما يسعى إليه هو جنون، كونه لا يملك القدرة على سياسة أسرته.. فمؤهلاته وأفكاره لا تستطيع أن تجعل منه نائبا يدافع عن الأمة وعن الناخبين وحقوقهم. الهدف السامي!! وبالتأكيد لم يكن ترشيحه في الانتخابات، بسبب ولائه وحبه لوطنه وللناس، ولكن هناك أهداف شخصية يسعى لتحقيقها ولن يتحصل عليها بسهولة إلا من خلال ولوجه البرلمان يعترف في قرارة نفسه أنه أصبح قاب قوسين من السيارة الفخمة والراتب المغري الذي سينجيه من الفقر ومن تلك الوجوه الذابلة التي ألصق نفسه بها، وأدعى أنه سيحميها من غدر الأيام ... ولا يقول لنا المؤلف ما إذا كان قد فاز صاحبه، ولكن الرسالة في القصة واضحة، ويكملها في القصة السادسة والتي تحمل عنوان (الأبراج) ليقول ما يريد عن الساسة والناخبين والمرشحين موظفا ما تقوله الأبراج دون أن يكون ثمة لوم عليه. البرج الزائد: القاص يطرح في مجموعته تنبؤاته لثلاثة عشر برجا بزيادة برج واحد عن الأبراج الفلكية الاثنتي عشرة المعروفة، ولا يسمي الأبراج باسمها بل يجعل لها رقما، ويقدم البرج الإضافي، لمن لا برج له، ويقول في هذا البرج الأوسط: يقول برجك يا سيدي إنك كنت سيد الرجال .. تواسي الحزانى وتعين المحتاجين، تعرفك الثكالي ويتبرك باسمك المستضعفون من الذين استوطنوا القصدير، فرفعوك إلى صف الطليعة ويقول البرج في الوجه الآخر إنك طلقت الآخرة بعد أن كنت تعشقها وتأسف عن أيامك العطشى التي ضاعت أضحيت يا سيدي تتباهى بهاتفك المميز وشكلك الأنيق، ونفرت من أصحاب البدلات المرقعة والجوارب النافرة صعب هذا الكرسي يا سيدي وأكثر منه هذا المنصب الذي جاءك في غفلة من العقول. الصمت والجدار: هو عنوان القصة الرابعة التي حملت اسم المجموعة القصصية، وفي هذه القصة تتجلى مقدرة الكاتب في تصوير الأحاسيس الإنسانية، يظهر تمكنه من الكتابة الأدبية الرفيعة. فالقصة تتحدث عن مشاعر ابن يعيش لحظات الفراق الأبدي لوالده، وكيف كان هذا الأب في حال الصحة- مثال القوة والرجولة والمثل الأعلى لهذا الابن الذي أصبح يشاهده بعد المرض- ضعيفا عاجزا متهالكا. المنظر الأول: سال نفسه .. كم يمكن للإنسان أن يعيش من لحظات الدنيا؟ لعل مرض أبيه واستكانته للفراش بعد أن عجز عن الحركة هو الذي أدى به إلى هذا التفكير. من خلاله أدرك كيف يستطيع الزمن أن يقهر الإنسان وهو باق كالعملاق .. يتذكر صورة أبيه، بل ويكاد أن يراه لحظتها، كيف كان يروي له الحكايات الطويلة والوقائع الغريبة التي مرت به دون أن ينسى أدنى التفاصيل .. يقبض على يد أبيه الرخوة، ويعصرها، لا أثر فيها للحياة، أضحت فارغة إلا من عظام متباعدة .. من أنا يا أبي؟ المنظر الثاني: لا جواب سوى همهمة متقطعة .. الزمن يقهر كل شيء فينا، جبروتنا تطاولنا على غيرنا، تفاهتنا، لعل ذلك جعل منه أنسانا جديدا ليس كالذي كان، أودع فيه سرا غائبا عنه، القوة والضعف يراهما الآن من خلال صورة أبيه، الصمت المبلل بدموع لا تنزل قد يجيب على أسئلة ترتد وتعود .. بيني وبينك أيها الزمن مسافة تتسع تضيق، لي فيها مد وجزر وحمائم موسومة ببياض الإشراق وسواد الدقائق الميتة من عمري المتثائب على أرائك الخوف الأزلي الموشوم بقهر اللحظة وأبدية السكون. المنظر الثالث: أبي أقولها وأنا كبير لأني ربما لم أشبع منها وأنا صغير بحكم الغربة. تمتزج رغبتي الآن في البوح بأشياء لا أتبينها، هي متزاحمة كأمواج متدافعة تريد أن تقبل الشاطئ ثم تعود إلى عمق البحر .. ذاتي هي هذه الأمواج أدفع بها إلى البوح وتأبى الآن أن تصمت، كأنها تتجاوب مع صمتك. أحس وأنا بجانبك على غير العادة أن شيئا ما بداخلي يرغمني على النظر إليك بعمق وحنين، لعلي أحسست أن ساعة الفراق هي هذه. المشهد الأخير: .. نسيت أنني أحمل جسمي .. رأيت نفسي طفلا أتبعك وأتعلق بثيابك وأنت تحملني على كتفك ثم تطرحني أرضا وتعدني بحلوى .. لا يزال صوتك يا أبي يرن في أذني يضيق الشارع بأفكاري المتزاحمة وكأنه يشاركني هذا الحزن المشبع بدموع بقيت عالقة الى اليوم .. ???