تدبر القرآن في شهر القرآن

لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين تلك هي معجزة الله الخالدة.. كما قال عليه الصلاة والسلام: ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات من مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة متفق عليه القرآن، ذلك الكتاب العظيم الذي ما ينفك تتجدد معجزاته جيلا بعد جيل وآنا بعد آن.. يفتح به الله سبحانه على من يشاء من عباده فيحيي به قلوبا ميتة ويبعث أرواحا تائهة أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس وإني لأحسب - والله أعلم - أنه لم تتفجر من صور الإعجاز القرآني الشاملة وكنوزه العظيمة، ودلالاته الهادية - أعني على المستوى العام لا الخاص - كما تفجرت في هذا العصر الحديث.. عصر انبهار الإنسان بالآلة والكشف العلمي، ولعل ذلك مصداق الوعد الإلهي سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد. ومن أسباب تحقق هداية القرآن للناس للتي هي أقوم هي تدبر آياته وفهم معانيها فهم لغة صحيحة، وفهم قلب حي متفاعل منيب مستجيب. كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته، وليتذكر أولو الألباب ومنذ حدث نزول القرآن الأول، وحتى يوم الناس هذا، لا تزال أمة الإسلام (في جملتها) تصدر عنه، وترد إليه وتهتدي بهداه، ولم يترك إنسان قط على البشرية أثرا كما تركه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ولذلك وضعه الذين ألفوا في الأوائل المائة الذين أثروا في البشرية في طليعة هؤلاء، ولكي تتجدد هداية القرآن العظيم لنا وللناس في هذا الشهر العظيم، وفي كل حين، فإننا يجب أن نقرأه وكأنه أنزل علينا، ليس هو خطاب الله تعالى لأمة خلت ولمجتمع قد ذهب، وإنما هو خطاب الله تعالى للإنسان (كل إنسان) في كل زمان ومكان. ولعله لذلك لا نجد في كتاب الله تعالى نصا يأمر بـالقراءة المجردة للقرآن (ما عدا بالطبع مطلع سورة العلق، في خطاب موجه للنبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول القرآن) وإنما جاء الأمر بـالتلاوة وهو من تلا أي تبع، كما جاء الأمر بتدبره، حتى الحفظ لم يذكر في الكتاب، وهذا يدل دلالة عميقة على الأهمية البالغة لتدبر القرآن وفهمه والعمل به، يقول ابن مسعود رضي الله عنه كنا لا نجاوز عشر آيات حتى نعلمهن ونعمل بهن، فتعلمنا العلم والعمل جميعا. وإن من أسباب فهم النص والاستمتاع بجماله فهم معناه، حتى إن الإمام ابن جرير إمام المفسرين يقول: إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله؛ كيف يلتذ بقراءته. وفي هذا الشهر الكريم يود المسلم أن يختم القرآن فيه عدة مرات، بتدبر وخشوع ومعرفة لمعانية، ولكن لن يتمكن من ذلك إذا انهمك في قراءة المطولات من كتب التفسير المعتمدة، ولذلك كانت الحاجة ماسة إلى تفسير صغير مختصر يكون بعيدا عن تشعبات الفقهاء، وأذواق الصوفية، وتأويلات وتمحلات المتكلمين، وأفكار وأهواء المبتدعة ? فبذلك يكون له الأثر العظيم في حياة المسلم وفهمه للقرآن. ومما ننصح بقراءته من كتب التفسير كتاب زبدة التفاسير الذي هو مختصر لكتاب فتح القدير للشوكاني وقد اختصره فضيلة الشيخ محمد سليمان الأشقر . فإنه كتاب جيد ونافع ومختصر . فجدير بالمسلم الصائم وهو في هذا الشهر المبارك، شهر القرآن أن يحرص على قراءة كتاب الله جل وعلا قراءة تدبر وفهم وتفكر ، قراءة تنعكس على حياته ومعاملاته وتصرفاته ، قراءة يعرف منها قدرة الله جل وعلا ، وما يجب عليه تجاهه سبحانه ، قراءة تكون سببا للنجاة يوم القيامة والفوز بالجنة . نسأل الله جل وعلا أن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأن يجعلنا من المقبولين في هذا الشهر العظيم .