الفصل الثامن : (بين السرطان البيولوجي والسرطان الاجتماعي)

من كتاب : مخطط الانحدار وإعادة البناء ??تأليف الدكتور خالص جلبي (لقراءة الفصول السابقة انظر أسفل الصفحة) ??بين السرطان البيولوجي والسرطان الاجتماعي هل يمكن للمجتمع أن يتسرطن فيقضي نحبه، كما يقضي سرطان المعدة أو القولون على المريض؟ (1) هل يمكن للخلايا الاجتماعية أن تصاب بـ ( الخبث ) في تصرفاتها كما تفعل الخلايا السرطانية المدمرة في الجسم؟ هل هناك مظاهر أو تصرفات اجتماعية توحي بمثل هذا التحول المدمر؟ وهل هناك أدوات وأجهزة للتشخيص المبكر في هذه التحولات الخبيثة؟ بل هل تطورت الأبحاث الاجتماعية بما فيه الكفاية، مثل الأبحاث البيولوجية فطورت المعالجة ( الاجتماعية الكيماوية والشعاعية بل والجينية ) من أجل التطهير الاجتماعي والقضاء على الخلايا المسرطنة القاتلة ونجاة البدن من موت محقق؟ وهل يموت المجتمع بهذا الداء العضال كما يموت الأفراد بالسرطانات المختلفة؟ بل هل هناك بالأصل (موت اجتماعي) فتموت الأمة كما يموت أي فرد؟ وإذا وجد فكيف تتجلى صورته؟ دعنا نغوص في أعماق البحث الفيزيولوجية والاجتماعية على حد سواء لنرى تجليات العلم الحديثة في هذا الصدد؟ دخل علي الزميل (أبو حسن) وقد استشاط غضبا؛ فارتفع صوته وتهدجت نبراته، على واقعة اقتصادية مدمرة تحدث بين الحين والآخر وفي أكثر من بلد، عن رجل خدع الناس فجمع أموالهم، وغرر بهم، تحت سراب الربح الوفير، فيأتيهم رزقهم رغدا، وإلى بيت بابهم بالعشي والإبكار، وهم مستلقون على ظهورهم، يأكلون السمن والعسل، وهكذا قام (الساحر) الاقتصادي الجديد بالمعجزة الألمانية الاقتصادية الثانية؟! وأراح العباد من هم المستقبل واستثمار الأموال، فهرع الناس إليه زرافات ووحدانا، يضعون بين يدي الساحر تعب العمر وشقاء الليالي، وتراكمت الأموال والآمال، حتى انقشع السراب الخادع _ كالعادة _ فانهارت المؤسسة المالية الجبارة المذكورة، وأفلس صاحبها (المظلوم)!! وطارت الأموال إلى الأرصدة الخارجية، وتبخرت أموال الناس بين يدي (الدجال) الاقتصادي، وأصابهم ما أصاب أهل البستان (فأصبحت كالصريم) وأخذوا يقلبون أيديهم في ظل الكارثة، وهم يتأملون سمك القرش الاجتماعي الجديد، بين اقتصاد مدمر، وثقة تخلخلت بين الناس، وأسعار للعقارات ارتفعت وبشكل وهمي، بأشد من سرعة الصاروخ وبأعلى من قمم الغمام، وجمود في حركة المبايعات. فالعقارات أصبحت معلقة في الهواء بعد انتفاخ الأسعار الوهمي، في انتظار مسيلمة كذاب جديد، ولا غرابة لما حدث لأن الحمق لوحده ليس له علاج، فكيف إذا انضاف إليه الطمع، وقديما سأل الجاحظ غلاما فقال له يا غلام: أيرضيك أن يكون لك مائة ألف دينار وتكون أحمقا، قال لا والله يا عماه، قال له الجاحظ : ويلك يا غلام ولم ؟ قال يا عماه: أضيع الدنانير وأبقى أحمقا!!(2) ?????????????????????????? هذا المرض الاجتماعي ليس اليتيم الذي يحدث، بمحاولة الفرد (الانتهازي) أن يتضخم فـ (يتورم) و(يتسرطن) على حساب الجماعة التي منحته الوجود الاجتماعي بعد البيولوجي فيتحول إلى (مجموعة القوارض الاجتماعية) (3) )التي تقضم الشبكة الاجتماعية!! أو الخلايا السرطانية الاجتماعية التي تفترس الأنسجة الحية، يا ترى كيف يمكن تصنيف هذا المرض ضمن قائمة (أمراض اجتماعية) لا تحصى؟ فكما يصاب الفرد بالمرض سواء العضوي أو النفسي فإن الجماعات لها أمراضها (النوعية) الخاصة بها، فكل مرض يشكل وحدة عضوية خاصة به ذات شخصية متكاملة سواء الزكام أو السل أو انتهاء بالسرطان، كذلك الحال في الأمراض الاجتماعية، فالجعبة مليئة، وليس المثل السابق إلا واحد من الكثير من أمثال (عدم احترام القانون وتجاوز إشارات المرور) و(كراهية النظام والانضباط)و(السطحية في معالجة الأمور) و(عدم رؤية المشاكل قبل وقوعها بل الاصطدام بها بعد ذلك مثل العميان!!) و (نمو الفردية إلى درجة الانتفاخ) و(النطق بلا مسؤولية)و(عدم احترام الآخرين) (4) و (التسيب الوظيفي) و (اللافعالية) و(البيروقراطية غير المنتجة) و(عدم تقدير الوقت) و(ضعف الذوق الجمالي) و (غياب الروح العملية) و(انطفاء روح المبادرة) و(عدم الشعور بالحرج من سرقة المال العام)، وتبقى مجموعة خطيرة للغاية تساهم في تقويض البنيان الاجتماعي يأتي في قمتها (الرشوة) و(المحسوبية) و(الوساطة) واختصرها القرآن بالثلاثي: الشفاعة التي تقابل الوساطة (ولا يقبل منها شفاعة) والعدل مقابل الرشوة (ولا يؤخذ منها عدل) والمحسوبية مقابل (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) ويمكن القول باختصار: تتم معرفة قوة مجتمع من ضعفه، بمدى سيطرة العلاقات الشخصية أو قوة نفاذ القانون، فحين يتضخم الأفراد ينكمش القانون، لأن الوجودين متزاحمان في الوعاء الاجتماعي، والنمو الورمي للأفراد هو في العادة مؤشر على بداية مرض الجماعات والمجتمعات. ويظن أولئك (المغامرون) أنهم يحسنون صنعا، وأنهم (شطار) و(أذكياء) ويعرفون كيف (تؤكل الكتف)، ولكن السرطان حينما ينمو، فأول ما يفعله هو أن يقضي على الجسم الذي أمده بأسباب الحياة، فيكون مثله كمثل القرد سيئ الذكر في قصة كليلة ودمنة، حين نشر غصن الشجرة الذي يجلس فوقه!! وبذلك يدمر الورم نفسه من حيث لا يشعر، حين يدمر مصادر وجوده، فيهوي والبدن إلى فراش الموت والعدم. ???????????????????????????? هناك (قانون اجتماعي) (5) يربط بين العلاقات الشخصية وشبكة العلاقات الاجتماعية، وأي زحزحة من قطب لآخر يعطي الفكرة عن مدى تماسك المجتمع وقوته من ضعفه، وفكرة المركزية واللامركزية التي طورتها المجتمعات الغربية هي ثمرة نضج تلك المجتمعات، كذلك تربط علاقة صارمة بين فكرتي (الحقوق) و (الواجبات) فالواجب هو (حق) من جانب، وهو (واجب) من الوجه الآخر، تماما مثل وجهي العملة!!، لنتأمل هذه الفكرة المهمة: إن أية (معاملة) هي واجب للموظف يؤديها في الوقت التي هي حق لمن يستفيد منها، وتنعكس الأدوار، فنفس الموظف يرى من حقه أن يعالج بشكل جيد أثناء مراجعة المستشفى، في الوقت الذي يعتبر هذا واجبا للطبيب يؤديه، وهكذا تصبح (العملة الاجتماعية) تدور بين (حق - واجب) في كافة شرايين الخدمة الاجتماعية، ويجب أن لا تزور هذه العملة، فيجب أن يقوم الطبيب بعمله في غير تذمر وملل، كي يتحرك الموظف بنشاط وهمة لتسيير المعاملة وترك طاولته في نهاية الدوام نظيفة، كي يؤدي الشرطي مراقبته للمرور بدون محاباة، وهكذا يتم تبادل هذه العملة في مرافق الحياة. وحسب قواعد الاقتصاد، متى يا ترى يعتبر المجتمع معه (فائض في العملة) إذا نظرنا إلى العملة الاجتماعية المذكورة سلفا ؟؟ أو أنه غني، أو أنه في حالة بحبوحة حضارية؟؟ الجواب عندما يتم تحصيل فائض في الواجبات!! إذا نحن أمام ثلاث معادلات اجتماعية في الواقع: الأولى هي تلك التي تقول بفائض الواجبات عن الحقوق، وهي تشي بالتالي بحقيقة مجتمع متفوق حضاريا، الثانية بتساوي الحقوق والواجبات وهي تعطي فكرة عن مجتمع متوازن، أما عندما تتفوق حركة المطالبة بالحقوق في المجتمع عن تأدية الواجبات اليومية، فإن المجتمع يبدأ في الانهيار. ويترتب على القانون الذي ذكرناه قانون اجتماعي آخر على غاية الأهمية وهو: عدم المطالبة بالحقوق أو بكلمة أدق تعميق اتجاه القيام بالواجب، لأن المجتمع الذي تعلم ان يقوم بواجباته سوف تنشق السماء وتعطيه حقوقه، فالحقوق لا تؤخذ ولا تعطى بل هي ثمرة طبيعية للقيام بالواجب. يقول المفكر السعودي الدكتور محمود محمد سفر في كتابه (ثغرة في الطريق المسدود): ((لقد فقدنا الوعي الصحيح بدورنا كأفراد وجماعات في عمليات التنمية وأصبحنا جميعا من ((أصحاب الحقوق)) .. وما أدراك ما ((أصحاب الحقوق)) إنها سمة التخلف في جيلنا .. حيث أصبحنا لا نعرف إلا حقوقنا على حكومتنا .. وجهلنا تماما واجباتنا وتكونت هنا وهناك في عالمنا الإسلامي جمعيات وهيئات للمطالبة بالحقوق .. حقوق المرأة وحقوق العمال وغيرهم. وقد آن لنا أن تتكون بيننا ((هيئات للقيام بالواجبات)) التي أغفلتها أو عجزت عنها الإدارات الحكومية. إن سيكولوجية مدمرة تتكون عندما يعيش الإنسان في أجواء المطالبة بالحقوق واللهث وراءها عند أجهزة غير قادرة على منحها .. حيث يصبح الإنسان عبدا لوهم اسمه ((الحقوق)) يستبسل في المطالبة بها وربما أعطى حياته من أجلها .. ولو أنه أنفق في سبيل الواجب بعض ما أنفقه في سبيل الحقوق لبلغ كثيرا مما يرجو من تقدم وازدهار .. إن التنمية في مجتمع ما تبدأ مسيرتها عندما ينسى أفراد هذا المجتمع حقوقهم ويذكروا واجباتهم .. إن الأمة تحتاج في ساعات ((الإنقاذ التنموي)) إلى النفر القدوة الذين لا يسألون أين الرزق الوفير وإنما يسألون أين الواجب الكبير .. ولقد ساقنا الحديث عن التنمية إلى دور الأثرياء في مجالاتها لأننا نؤمن أنه في غياب الدور الحضاري للمال يمكن أن يصبح الثراء مدمرا. فعندما تصبح وسائل الثراء سريعة ورخيصة يبدأ المجتمع في الانصراف عن التنمية الحقة والتي تتطلب جهدا ومشقة حيث يصبح كل هم أفراد المجتمع أن ((يغترفوا من نهر طالوت)) ولا ينتظروا ويصبروا أمام مشاكل التنمية)) ( 6 ) عندما زارنا الأستاذ (مالك بن نبي) في دمشق عام 1971 م وجلست معه وسألناه عن العديد من القضايا، بدأت تضغط على عقلي فكرة، في صدد الذهاب إلى العالم الغربي للاختصاص الطبي، وخلاصتها إن الرحلة تحمل مبررها الكبير ليس من أجل تحصيل الفن الطبي، فهذا هو أقل المبررات وأكثرها هامشية، وهو الذي جعلني أيضا أتردد في مغادرة الوطن، في الوقت الذي كان يتسابق زملائي في شد الرحيل للخروج، وأنا أعذرهم طبعا فلكل وجهة هو موليها، كان ما يضغط علي ويؤرقني هو (فعالية الغرب) الكامنة خلف الطب وكل العلوم، بل وخلف كل التكنولوجيا ومراكز البحث، وهذه قضية أثرناها مع الأستاذ مالك بن نبي، وكانت وجهة نظره أن معظم أبنائنا يذهبون إلى الغرب فلا يفهمون عليه (سر الفعالية) وإنما يحصل معهم ما سماه _ رحمه الله _ الارتماء إما في ( مزابل الحضارة ) أو الانزواء في (مقابر الحضارة) ؟! ويعني بكلامه هذا رؤية الحضارة الغربية من ثقبين، إما الفساد الأخلاقي والإباحية الجنسية الفظيعة، وإما المخابر العلمية وبطون الكتب وأجواء المستشفيات، والحضارة ليست هذا ولا ذاك، كما أنها لم تخلق في هذه الأمكنة. كان الأستاذ مالك يريد من الشباب المسلم والعربي، أن يذهب إلى الأماكن التي تولد فيها الحضارة فعلا، كان يريد بناء بانوراما ضخمة، وجغرافية عقلية، لفهم الحضارة ككائن عضوي مترابط. التعرف على المؤسسات التي تحافظ على الحضارة وتطورها باستمرار، التعرف على فعالية الفرد والشروط النفسية والاجتماعية التي تولد هذه الفعالية وتحافظ عليها باستمرار (7) . التفريق بين (العلم) و (الثقافة) حيث يشترك في الثقافة الرئيس والأجير، ويختلف في العلم الطبيب عن الممرض، ولذا فالطبيب يرجع بالعلم دون الثقافة، وكان حرص الأستاذ مالك على الثقافة قبل العلم. الثقافة هي المحتوى الضخم لعالم ( اللاوعي ) والذي بموجبه يتصرف الفرد أمام الأحداث، والثقافة تتشكل منذ لحظات مقابلة الإنسان للعالم الجديد بعد الولادة إن لم تكن حتى في الرحم؟1 فالطفل الذي يتعلم منذ ساعات عمره الأولى أن العالم (المتمثل بأمه) أنه يستجيب له بالبكاء، يتعلم البكاء وسيلة لحل المشاكل!! إلا أن العالم القاسي من حوله سوف يحمل له العديد من المشكلات الصعبة والمفاجآت، التي سوف تحيل حياته إلى جحيم ونكد وإحباط، لأن العالم يمشي وفق سننه الخاصة، وليس هو أمه التي أفسدت (ثقافته) ولذا فلن يستجيب له بالبكاء والصراخ، كما حصل مع العرب في هزيمة حرب 1967 م، والتي لم يستجب لهم العالم فيها، عندما بكوا وصرخوا وزعقوا بأعلى صوتهم، والتي يحاولون فيها حتى الآن إصلاح ذلك الخرق الذي لم يرقع بالشكل الملائم حتى اليوم، هذه هي الثقافة العاجزة التي نعيش فيها بكل أسف!! وهذه هي القضية الكبرى التي كرس المفكر مالك بن نبي نفسه لها (مشكلة الحضارة) هذه الفكرة حلت عندي إشكالية مهمة في الإجابة والتفسير عن بعض الأشياء التي لم أجد لها تفسيرا في البدء، لماذا يتصرف من اختص في الغرب بعد عودته بصورة غير التي كان يتصرف بها هناك؟ فلا يحافظ على الموعد، أو يلقي بالبقايا على الأرض، أو يستخدم زمور السيارة كالبقية، أو لا يتقيد بإشارات المرور، أو يعتقد بالخرافة إلى أخمص قدميه ومخ عظامه. كما أنني أدركت أن سفرتي إلى الغرب حيثما كانت وجهتي كانت مصيرية وحيوية، فإن أي باب من أبوابها سوف يدخلني إلى بنائها الداخلي، سواء كان الاختصاص في ألمانيا أو بريطانيا أو أمريكا (الابن البكر لأوربا) أو حتى أوربا الشرقية، أو أسبانيا الحالمة المسترخية على ظهر جبل طارق ؟! فكما يدخل المسلم إلى الصفا والمروة من أبواب شتى، كذلك الحال في دخول فناء كنيسة الحضارة الغربية ذات الأبواب العديدة ( 8 ) ??????????????????????????? هناك مغالطة يجب تحريرها واكتشفت هذا أثناء مؤتمر حضرته في مدينة ميونيخ الألمانية في المركز الإسلامي أثناء إقامتي في ألمانيا، حيث تم التعرض لمشكلة المرأة ووضعها في الغرب، وكان محور المتكلمين في إطار (تسقط عورات الغرب) والكشف عن نقاط الضعف التي يعرفونها هم بالذات وعن أنفسهم أكثر مما نعرف نحن، والفكرة التي استولت علي حينذاك وقمت في وقتها بشرحها بكثير من القوة والتحليل، وخلاصتها الأفكار الثلاثة التالية : الأولى: إننا في الواقع وكأننا نريد تطمين أنفسنا إننا بألف خير، طالما كان الغرب على وشك السقوط منتحرا بعيوبه التي لا تنتهي ( كذا !! (والثانية: إننا نتأمل الغرب من خلال عيوبه وهذه فضلا عن كونها غير عادلة فهي مضللة لنا نحن بالذات أكثر منهم، والثالثة: فليموتوا بعيوبهم لأن ما ينقصنا ليس التعرف على عيوبهم، بل التعرف على عيوبنا نحن بالذات، والقيام بعملية النقد الذاتي، كي نبدأ مسيرة الإصلاح والإقلاع الحضارية، ما نحتاج إليه أكثر هو الاستفادة من مزاياهم الإيجابية، والتعرف على أسرار الفعالية عندهم، وينابيع القوة والتفوق. وهذا سيقودنا إلى موقف مختلف تماما وعادل وإنساني، فنحن لا نريد تدميرهم، كما لا نشمت بسقوطهم، ولا نفرح بنكس القيم الإيجابية التي تعبوا في تحصيلها. بل يجب معاملتهم تحت قانون: عامل الناس بما يليق بك لا بما يليق بهم، من أجل علاقات إنسانية غير استعمارية للمستقبل، كنت أقول لبعض الألمان أحيانا إن عندكم من القيم ما يجب أن أدافع أنا عنه، من أجل المحافظة عليه لأنه ذخر إنساني قبل أن يكون إنجازا غربيا. إن العديد من القيم التي رأيناها في المجتمع الغربي، وأزعم لنفسي معرفة متواضعة بالمجتمع الألماني، الذي يعتبر من قمم مجتمعات العالم، فألمانيا هي صيدلية العالم، وأرض الفلاسفة، ومكان الموسيقيين المبدعين، وأرض حملة جوائز نوبل، ولكنها وبنفس الوقت محرقة آوشفيتز وأرض الهولوكوست (9) ومستنقع العنصرية، ومزبلة كبيرة لكل الإباحيات الجنسية ممتدة من مدينة ( فلينسبورج - في معهد بيآته BEATE - INSTITUT-IN FLENSBURG ) حتى الغابة السوداء( SCHWARZ - WALD ) وما يهمني من الألمان، واستفدت منهم في ذلك بأكثر من تكنيك شق الجلد للجراحة أو ( ثقبه ) بالمناظير أو ترقيع الشرايين وتقطيع الأوردة، استفدت منهم (أخلاقيات العمل) فالإنسان الألماني أو الغربي عموما قد يسكر ويخمر في الليل ويعربد جنسيا، ولكنه في صباح اليوم التالي لا يتأخر في حضوره للعمل، لأن العمل عنده مقدس بل إنك إذا أردت تعذيب الألماني فاجعله يكف عن العمل، ويشهد لهذا ظاهرة (متلازمة ظهر يوم الأحد) (10) SYNDROM SUNDAY وهي مؤشر خطير عن (التخوي والتجوف الحضاري) كما يحصل مع تجوف نخاع الشجرة الداخلي مع كل فخامة القشر الخارجي . إن عندهم من الفائض في (العملة الاجتماعية = الواجب) ما يجعل أمراضهم مسيطر عليها، وهذا يعني أن عندهم من الأمراض ما يكفي، ولكن قوتهم تأتي من مصدرين الأول: معرفتهم بطبيعة هذه الأمراض، والانتباه الدائم لها، ومراقبتها سواء بسواء مثل مراكز مراقبة انتشار الأمراض والعدوى، بما فيها إدمان التلفزيون والإباحية الجنسية، كل ذلك من خلال توفر أداة النقد الذاتية الاجتماعية، قد تحدث عندهم سرقات ومخالفات ولكن الصحافة لها بالمرصاد، ومن المعروف طبيا، أن معالجة الخراجان هي في شقها وفتحها للخارج كي ترى الضوء، كما أن أخطر أنواع البكتريا، هي البكتريا (اللاهوائية)، أي تلك التي تعشعش في الظلام، والغانغرين فيه ليس له علاج إلا البتر المفتوح!! كما أن الأمراض النفسية تعالج بنقل آليات (اللاوعي) المختبئة في الظلام إلى (الوعي) أي الضوء الصحي والنور المطهر. لذا فإن آلية النقد الذاتي (بشروطها) هي تلك الآلية المطهرة للفرد والنفس والأسرة والمجتمع بل وحتى والمجتمع الدولي. الثاني : إن المحصلة الكمية للأخلاق الاجتماعية تعطيهم الوضع الطبي المعروف (عدم انكسار المعاوضة)، فقد يمرض الإنسان كما هو في داء (أديسون) أي تخرب خلايا الغدة فوق الكظرية (11) المسؤولة عن تنظيم السكر والملح والهرمونات في الجسم. طبيا لا تظهر أعراض المرض حتى يحترق ما يزيد عن 75? من مجموع الخلايا في الطرفين، وعندما يصل البدن إلى هذه المرحلة يكون قد دخل في مرحلة (انكسار المعاوضة) والمجتمع الغربي مازال في مرحلة (المعاوضة الاجتماعية)، وذلك بفضل زخم مجموع الأخلاقيات والقيم السائدة حتى الآن، ويخطئ الكثير حينما ينعت الحضارة الغربية بصفتين: إما اللاأخلاقية أو أنها حضارة مادية، ويجب طبعا أن نحدد ما معنى (المادية)؟؟ الحضارة الغربية لا تحتاج مثلي ليدافع عنها فهي التي تقود العالم إن شئنا أم أبينا، سواء في جناحها الانجلو سكسوني أو اللاتيني أو الجرماني أو حتى الأصفر الياباني، الذي هو امتداد هذه الحضارة للشرق الأقصى. ثم إن الحضارة الغربية تمشي بدفعة قوية من الأخلاقيات والقيم، ويجب أن يتم الانتباه إلى العنصر الأخير، كي نصحو من أوهامنا وأحلام اليقظة التي نسبح فيها. إنني كنت (شاهدا) في الحضارة الغربية ولم أكن زائرا حتى أكتب (أمريكا التي رأيت) بل عاينت القوم، وأزعم لنفسي معرفة زخم الحياة عندهم، وطرفا من أسرار قوتهم، كما أعرف بالضبط أمراض الشرق ومصائبه، فأنا والذين عاشوا في الغرب فترة طويلة أصيبوا بحالة لا يحسدون عليها، فلم يعد الشرق يعجبهم، كما أن الغرب لم يسعدهم، فهم (نفسيا) في الأرض التي لا اسم لها !! والسبب أنهم عرفوا الشرق والغرب، وبذا أصبحت أداة النقد والمقارنة عندهم حادة قاطعة، والرؤيا عندهم واضحة مبلورة، وهذه لا يصل إليها إلا من استطاع أن يخبر الشرق والغرب، ونحن الذي أدينا وظيفة (الشهادة) علينا أن ندلي بشهادتنا في محكمة التاريخ وبأمانة . فلاشيء أعظم من العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض . ???????????????????????????????? إنني يجب أن اعترف _ بغض النظر عن بعض الحساسيات التي هي طبيعية، والمشاعر النفسية التي ليست حكما نهائيا ولا عدلا في مثل هذه الأمور - إننا استفدنا بل دهشنا لحزمة من الأخلاقيات والقيم التي تمسك بمجتمعهم، وتعطيه فضيلة القوة والتفوق، وهو ما لاحظته البعثات الأولى من العالم العربي التي أرادت اكتشاف الغرب كما حدث مع (رفاعة الطهطاوي) الذي وضع كتابه الهام في هذه القيم الإيجابية التي نتحدث عنها (الذهب الإبريز في أخلاق أهل باريز) منذ اللحظة الأولى بين بيروت و(نورمبرغ - مكان ولادة الحزب النازي) اكتشفت أنني في مدى ثلاث ساعات بالطائرة كنت أخترق الجغرافيا فقط، وكان علي ثلاث سنوات لاختراق حاجب اللغة، ولكن ثلاثين سنة لا تكفي للفهم العميق للثقافة. في بيروت وأنا نزيل الفندق الذي يدفع ثمن (البيات) لم أعرف طعم النوم بسببين الأول قرقعة (القباقيب) والثاني (انبساط) صاحبنا المشرف على إراحة نزلائه، فلم يطب له النوم إلا على أغاني (صباح وأم كلثوم) وبأعلى صوت، وبالطبع أنا لست ضد الغناء إلا في هذا الوقت، أما في نورمبرغ فأخذت الانطباع الأول ولم أنسه بقية العمر ظاهرة (السكون) كان شكل المطار أنيقا نظيفا منظما و(هادئا) فعرفت أنني فارقت حضارة (الضجة والوسخ والضوضاء) واستقبلت حضارة (النظافة والسكون والهدوء). إنني أذكر هذه الملاحظات بشيء من الألم لأنني أنتمي إليها، مع شعوري الذي لا يختلج بعظمة وروعة الحضارة التي خرجت منها، وإمكانياتها غير المحدودة في استيعاب إعصار الحداثة، بل وشق الطريق لمجتمع ما بعد الحداثة، هذا الشعور سبب لي الألم مرتين، فأنا أدين الثقافة التي خرجت منها (وهذا أنفنا فهو كبير مثل أنف سيرانو دي بيرجاك !!) (12) في الوقت الذي أزكي (في جانب) مزية من هم خصومنا أو من لا يحبونا على أقل تقدير، ولكن هذا ما تتطلبه الشهادة التاريخية، ويوجبه العدل، ونحتاجه كي نستيقظ ونصلح أمورنا، التي لا تحتمل التأجيل، وكانت الملاحظة الثانية (لاشيء في الأرض) وتذكرت الحديث (وإماطة الأذى عن الطريق صدقة) (13) ثم توالت الملاحظات حتى شكلت تيارا كبيرا، وبانوراما ضخمة، وخريطة تفصيلية، إلى درجة أنني أعرف ارتكاساتهم وتصرفاتهم سلفا، فيما لو واجهوا أي مشكلة لحلها، وكيف أن عندهم منهجا خاصا في التصرف في النائبات (وكيف أن في رأسهم أغنية خاصة لمشكلة البوسنة، وإلا حلوها كما احتل هتلر كل يوغسلافيا في مدى 11 يوما، وليس تأديب صرب البوسنة فقط، وبالمناسبة فخريطة الهجوم النازي قد وضعها وزير الدفاع الألماني في درجه لساعة الصفر - معلومات مجلة الشبيجل). يصدق هذا على الألمان كما يصدق على الأوربيين يزيد وينقص، خاصة كلما صعدت إلى الشمال وملت إلى الوسط البروتستانتي (14) ففيهم باقة من الأخلاقيات والقيم التي نحن بأمس الحاجة لها، سواء بتأملها لإعادة صنعها أو بنحتها وتوليدها من ثقافتنا المليئة بالقيم الإيجابية وإعادة اكتشافها بعد صدمة الغيبوبة التاريخية التي مني بها العالم الإسلامي في فترة القرون الفارطة الأخيرة، كما هو الحال في نظافة الشوارع والبيوت والمحلات العامة (دورات المياه العامة والموجودة على الطرقات السريعة عندهم نظيفة بشكل ملفت للنظر). هذه النظافة ليست (الحكومة فقط) وراءها وإنما هو القانون الأخلاقي والتربية الصارمة، والتثقيف المستمر، والتنبيه الدائم، وتعاون الدولة والمؤسسات والفرد. يقول جان جاك روسو في كتابه (في العقد الاجتماعي) عن القانون الرابع: ((يضاف إلى هذه الأنواع الثلاثة من القوانين نوع رابع وهو أهمها جميعا، وهو القانون الذي لا ينقش على الرخام ولا على البرونز وإنما في قلوب المواطنين، والذي يصنع تكوين الدولة الحقيقي، والذي يكتسب كل يوم قوى جديدة؛ والذي عندما تشيخ القوانين الأخرى أو تنطفئ، يحرك أوارها أو يتممها، ويحافظ على شعب في روح نظامه، ويحل قوة العادة شيئا محل قوة السلطة. وأعني بذلك الطباع والعادات وعلى الأخص الرأي العام، وهو فرع مجهول لدى ساستنا، لكن نجاح جميع القوانين الأخرى يتعلق به: ذلك هو الفرع الذي يهتم به المشرع العظيم في السر في حين يبدو أنه لا يهتم إلا بتنظيمات خاصة، إلا أنها في الواقع ليست سوى عقد القنطرة الذي تشكل فيه الطباع، الأكثر بطئا في نشوئها، مفتاحه الذي لا يتزعزع)). (15) كان ما رأيناه هو (النظام والانضباط في دقة الساعة) و (الدقة بحب وشغف) (المثابرة بجلد لا يعرف الملل) و (التعاون والعمل بروح الفريق ولو بدون حب بين عناصره) و (اليقظة التي تلمحها في العيون وسرعة الحركة والسهر على المصالح) و (النطق بهدوء وبدقة وبمسؤولية والنظر في وجه السائل !!) و (المحافظة على الموعد إلى درجة الهوس) و (الالتزام ومعرفة معنى المسؤولية) و (الصدق فهو انفع للمعاملات والحجز وسواه) و (احترام الآخر ولو كان طفلا أو من الشرائح الاجتماعية المستضعفة) و (الفعالية في معالجة المشاكل) و (البيروقراطية الميسرة) فالمعاملات تمشي على شريط كهربائي لا يقف، فلا تحتاج لملاحقة ومتابعة في كل مرحلة كي لا تموت في أحد الأدراج!! وهذه الكومة من القيم تحتاج إلى تفصيص ميداني كي يتم تأمل كل واحدة بشكل مستقل. والشيء المهم فيها كان بروزها في المجتمع، فشكلت (ظاهرة اجتماعية) و (تيارا مسيطرا هادرا) وليست حوادث فردية، فالجد والاجتهاد والنشاط والحركة تغلف المجتمع كله، وتهبه اللون الخاص به، وتعطيه موسيقاه المنعشة لأفراده المتهادين على وقعه. هل نريد الآن أن نفهم الأخلاق والقيم (السرطانية) في مجتمعنا ؟ لابد من تعريف السرطان البيولوجي إذا ؟ إن السرطان هو إعلان التمرد العام على نظام الجسم، وهو في صورة ثانية (الخلل الوظيفي الزماني المكاني)، فالخلية المجنونة تتكاثر بدون هدف إلا عربدتها الخاصة، وهي تترك مكانها لتحتل بغير جدارة مكان خاصا بآخرين، وهي تنمو بسرعتها الخاصة مثل نشاز اللحن خلال لحن البدن البديع، وهكذا فمن كانت مهمته البناء يتجه للتدمير (سرطان العظام)، والخلايا المخصصة لجمال الوجه تتحول إلى فقاعات ورمية سوداء بشعة (سرطان الجلد)، وخلايا الأمعاء تترك مكانها لتنزل ضيفا غير مرحب فيه في الكبد والرئة بل والدماغ (سرطان القولون) ... ولنذكر تماما أن ضياع المجتمعات يحدث أيضا بنفس الطريقة فالسرطان الاجتماعي الذي يأكلها عندما تضيع المسؤوليات .. ويشذ الناس على القانون .... إن كثرة الخلايا بلا معنى هادف يجعل البدن فاقدا لهدف الحياة ويصبح بلا معنى، وجرت القاعدة أن الذي يفقد هدفه في الحياة حل به الفناء لأنه أصبح معادلا للفناء، أو هو يسير نحو الفناء لأنه فقد مبرر الحياة، وهكذا فإن السرطان هو تعبير عن فقد مبرر الحياة بفقد هدف الحياة (16) ويجب أن نعلم أنه كما يموت الأفراد، تموت الجماعات، وتدول الدول، وتفنى الأمم، وتنقرض الحضارات فـ (لكل أمة أجل) ومن خلال السرطان النوعي الخاص بكل مستوى . هوامش ومراجع : (1)يجب أن نستثني من هذا الوضع اكتشاف السرطان المبكر قبل انتشاره مما يحسن إنذار المرض عموما حسب المرحلة التي يضبط فيها، والجراحة الحديثة تحاول فك هذا اللغز، بحيث تكتشف بشكل مبكر الخلايا المتسرطنة المتحولة الأولى فتقضي عليها. (2)دمر أقرب الناس إلي اقتصاديا تحت أسنان سمك القرش الاقتصادي الجديد وبالطبع كنت من المدعوين لهذه الوليمة إلى فم الحوت، كيف لا والأرباح الفلكية تلمع (للمغفلين)، ومن الغريب أنه بعد كل الكارثة لا يصدقون أن ما حدث هو اقتصاد (سيقان الخشب) بل مازالوا يعيشون أحلام (النظرية التآمرية) ؟؟!! (3)هذا المصطلح هو للمفكر الجزائري مالك بن نبي، تأمل مثلا الذي لا يحترم شارات المرور، إنه يشعر أنها لم توضع له، فهو فوق القانون ولكنه يدمر النسيج الاجتماعي الذي يحافظ عليه بالذات، ويذكر الفيلسوف البريطاني برتراند راسل في كتابه هل للإنسان مستقبل عن حماقة الحمار، أنه يأبى أن يخرج من الزريبة أثناء الحريق مع كل حرص الآخرين على إنقاذه. (4)مما كان يلفت نظري في ألمانيا أثناء وجودي الطويل فيها أن الموظف يعامل المراجع على ثلاث قواعد الأولى: إنجاز مسألة واحدة في وقت واحد (وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه!!) فهو يهتم كل الاهتمام بمن هو أمامه وينسى كل النسيان من هو خلفه، بل إذا أراد التكلم معه لم يرد عليه، الثانية: الإنجاز الكامل والدقيق لوحدة العمل التي يتعامل معها، وهكذا فمحاسب الصندوق لا يبدأ مع الشاري الثاني ما لم ينته من الأول قبضا وتسديدا، الثالثة: الاهتمام بالإنسان الواقف أمامه فيعطيه كل وجهه مع الكلمة الطيبة والابتسامة العذبة ليسأله في النهاية إن كان هذا كل شيء أو هناك ما تبقى لقضائه. (5)أول من التفت إلى فكرة القانون الاجتماعي هو العلامة ابن خلدون، لتتوقف من بعده، ثم ليعاد بعثها من جديد على يد عالم فرنسي هو (أوجست كومت) (1797 - 1857) صاحب مدرسة (الفلسفة الوضعية) يراجع في هذا كتاب دراسة المجتمع - مصطفى الخشاب - مكتبة الانجلو مصرية - ص 35. (6) ثغرة في الطريق المسدود دراسة في البعث الحضاري _ د . محمود محمد سفر / د . سيد دسوقي حسن _ سلسلة آفاق الغد - ص 78- 82. (7) يراجع كتاب مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي بحث الأفكار القاتلة والأفكار الميتة. (8) يراجع في هذا كتاب مختصر دراسة التاريخ للمؤرخ البريطاني توينبي عن حقل الدراسة التاريخية - ترجمة فؤاد محمد شبل - جزء 1 ص 3 حيث يعجز عن شرح التاريخ البريطاني منفردا وإنما يمكن فهمه من خلال وحدة الحضارة الغربية. (9) من الأرض الألمانية انطلقت الحروب العالمية، التي أزهقت أرواح مالا يقل عن سبعين مليونا من البشر، ونزاعاتهم مع جيرانهم لا تنتهي خاصة الفرنسيين، وأما محرقة اليهود على أيديهم فتعجز عنها حتى أبالسة الجحيم، فمصطلح (هولوكوست) -HOLOCAUST أي المحرقة هي تلك العملية المنظمة التي شحنت اليهود من كل أوربا إلى معسكرات الاعتقال الجماعية، والموت في غرف الإعدام بالغازات السامة ثم المحارق المخصصة، واشتهر معسكر ( آوشيفيتز ) في بولونيا بشكل خاص حيث التهمت نيرانه اليهود وغيرهم بالملايين. (10) من الغريب أن الألمان يشعرون بالكآبة يوم الأحد بعد الظهر، لأنهم سوف يستقبلون يوم العمل والواجب في اليوم التالي وهو أمر متناقض مع شعب العمل والشغف به أعني الشعب الألماني، وهذا يوحي بالمرض الداخلي العميق للإنسان والمجتمع الألماني، بل والمجتمع الغربي للمستقبل البعيد، وهذه أمراضهم ولكنها أدويتنا فما ينقصنا نحن ليس التنافس في الكسل بل العمل. (11) غدة الكظر تجلس فوق الكلية في كل جانب بوزن حوالي ثلاثين غراما، مكونة من لب مسؤول عن تنظيم الضغط الشرياني من خلال إفراز هرمون خاص هو الأدرينالين، وقشر يفرز ثلاثة أنواع من الهرمونات لتنظيم الاستقلاب السكري والملحي والهورموني، بالاشتراك مع البنكرياس والغدة النخامية في الدماغ والخصيتين أو المبيضين ( 12) من أفلام التراجيديا الفرنسية فالفارس ( سيرانو دي بيرجاك ) الذي يستطيع هزيمة مائة ويحب ابنة عمه، يحمل أنفا كبيرا أعطاه دمامة فحجبه عن طلب يدها، وتمضي القصة في اعتصار قلب البطل حتى لحظة الموت التي يبوح فيها بالحب لابنة عمه ( 13 ) من العجيب في هذا الحديث الذي هو من ثقافتنا أنه ينص على أن الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها شهادة أن لاإله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان، فنحن ليس فقط أننا لا نرفع القذى من الطريق، بل نلقي زجاجات الببيسي كولا، وهذا يعطي فكرة أن التعطل العقلي يحرم من الاستفادة من كل الكنوز حتى لو وجدت في الثقافة، ويجب ان نسجل لبلديات المملكة إنعاشنا بالنظافة والمنظر الجمالي الذي عهدناه في أوربا. (14) يراجع في هذا كتاب الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية لفيلسوف عالم الاجتماع الألماني (ماكس فيبر ) عن أثر الأخلاقيات البروتستانتية في انتشار الرأسمالية: روح الادخار + روح المبادرة + قيمة الشغل. (15) في العقد الاجتماعي - جان جاك روسو - ترجمة ذوقان قرقوط - دار القلم ص 101. (16) يراجع بالتفصيل كتاب الطب محراب الإيمان - جزء 2 - للمؤلف عن السرطان والتمرد في الجسم - دار الكتب العربية ص 103 . سيتم نشر الفصل التاسع وعنوانه (هل يموت المجتمع كما يموت الأفراد ؟) يوم الاثنين الموافق 25 رمضان 1422هـ الموافق 10ديسمبر 2001م