حوار مع الشاعر عادل محمود لـ (باب): لا أجد عذرا لخيانة الضمير

إذ تستعين جريدة يومية بقلم شاعر فهي تسعى وراء فرصة أكبر للبقاء فسحة أرحب في الذاكرة. تصطنع جزيرة هادئة وسط أمواج اليومي المتلاطمة واحة حالمة تريح القارئ من لهاث الأحداث والتفاصيل، وتحفزه على قراءة الجوهري خلف الأعراض والأصل خلف الظواهر تقوده إلى إعادة التفكير في البديهيات والثوابت محصنة ذاكرته من التيار الجارف للآني والجزئي. للشاعر عادل محمود (واحة) أسبوعية في إحدى الصحف العربية، استقطبت كثيرا من المسافرين المتعبين الذين ينشدون التأمل بهدوء وعمق. كما أن المقالات التي نشرها ما بين الأعوام 1997 و2000 صدرت مؤخرا في كتاب عنوانه ضمير المتكلم. حرصا على القارئ وبداية سألناه حول مشروعية نشر مقالات قد نشرت سابقا في الصحف فقال: عبر المقالات التي أنشرها في الكفاح العربي أعتبر أن لدي منبرا أسبوعيا أقول فيه الكلام الذي أريده، الأفكار التي أريدها وكونه منبرا مفتوحا لي شخصيا بصورة دائمة فأنا لا أتقيد بموضوع محدد أو هوية محددة من الفكرة إلى التعليق على الحدث، إلى النص المفتوح. بالطبع ليس من المتاح لهذا المنبر أن يقرأ دوما، والمقالة المنشورة في جريدة يومية قد تفوت القارئ وبالتالي ينتهي زمن قراءتها سريعا. لذلك حرصت على جمع ما نشرته خلال أربع سنوات حيث أعطي القارئ فرصة أن يقرأ ما فاته. وبالنسبة لعملية اختيار نصوص واستبعاد أخرى فقد تم ذلك وفق تواريخ متسلسلة تقريبا. المثقف والسياسي وعن علاقة المثقف بالسياسية وإذا كان يحق للشاعر تناول القضايا العامة من موقع متقدم، قال محمود: أعتقد أن الدور الموصوف للمثقف بشكل عام اعتراه كثير من التشويه أحيانا بقصد الإساءة لهذا الدور وتحجيمه وأحيانا بسبب الرغبة في إدانة المثقف، وغالبا بسبب رغبة السلطات العربية في استعباده، إن لم يكن خادما ثقافيا للمهمات السياسية والإيديولوجية التي تطرحها عليه. وبالنسبة لي شخصيا لا أكلف نفسي بمهمة ما تجاه الواقع، وإنما أرى من واجبي أن أتدخل أحيانا في التعليق على مجريات وتفاصيل مصائرنا التي تحاك خيوطها بعيدا عنا. ويرى الشاعر عادل محمود بأن هناك ثوابت كونية من أول شاعر كتب تأملاته في بيئته أو أبدى دهشته مما حوله جراء عدم فهمه لثوابت نعتقد أنها بديهية كالموت والحب والطبيعة. وكون الشعراء يركزون على الثوابت عندما يتحدثون في السياسة فهذا ناجم من صعوبة الدخول في التفاصيل وصعوبة النشر، ومن كون السياسة بمفهومنا العربي، وكما تمارس في الواقع بطريقة نخبوية فوقية فإن المناخ للتعليق أو للتدخل في السياسة هو الحديث في الثوابت. ضمير جمعي أعتقد أن الشاعر لا يمثل ضمير أمة أو فئة أو حزب أو شعب أيا كان، لا أرى الأمر على هذا النحو، فالشاعر ليس موظفا ينفذ مهمات يكلفه بها الآخرون بنوع من الضغط الوجداني أو يكلف نفسه بها بنوع من الاختيار الانفعالي. إنما هو بنظري شخص قبل كل شيء لا يجب أن يوظف غناءه بصورة مسبقة ولكن بالمقابل ليس الشاعر كائنا أتى من فراغ ولا هو ذاهب إلى الفراغ. لايوجد تشابه وحول مدى التشابه بين طريقة كتابته مع الشاعر نزيه أبو عفش، لا سيما أن الاثنين يكتبان لصحيفة واحدة، يجيب بأنه لا يوجد أي تشابه بين طريقتي في الكتابة وبين طريقة نزيه أبو عفش. ويضيف: الكتابة عن الواقع العربي هي كتابة تشريحية بمعنى أنه يجب أن تكون بسكين بدل قلم، أو هكذا يبدو الأمر، وقد ينتج عن ذلك انطباع بأن اليأس هو الصورة الغالبة المستخلصة. لنقل إن أهم صفة للواقع العربي بكلمة واحدة هي الهزيمة، أعتقد أن العرب لم ينتصروا منذ عام 1492(تاريخ سقوط غرناطة) ولذلك كيف يمكن أن تكون مجتمعات مهزومة سعيدة، جميعنا نحلم بالسعادة ولكن يبدو أنها لن تأتي إلا في حالة نصر صريح في القضايا الأساسية التي تعتبر كأنها جبهات. الحب في عالم الكراهية أما بالنسبة لغياب هاجس الشعر كموضوع في مقالة، فيفسر الشاعر محمود الأمر: على أنه بطبعه لايحب الحديث عن الشعر فهذا حقل واسع وقديم وسجالي وأفضل أن أكتب شعرا لا أن أتحدث عنه، الحديث عن الشعر لعبة خطرة. الكثيرون قالوا في التنظير ما لم يفعلوه في نصوصهم. الشعر بنظري أصعب فن على الإطلاق، ولا حدود لصعوبة تجربته. وفي ديوان الحب في عالم الكراهية تم رسم صورة قاتمة للحب في زماننا، ومرد ذلك كما يرى الشاعر عادل محمود أنه بدون (ليلى) لا يوجد حب، والعلاقة بين الأنثى والذكر هي حنين أصلي قديم إلى الاندماج، والاندماج هو التوازن وإبعاد العزلة والوحشة. ولا يوجد حب لا ينطوي على جماليات عذبة وبالتالي كل ما هو جميل ينطوي على شغف إنساني يزداد حساسية بالتعلم والاحترام والاعتراف. الحب في شكله الرومانسي أغنية سعادة ذاهبة أو قادمة. وأعتقد أن الحب هو أكثر قدرة من الموت على الصمود في وجه التشويه والابتذال الجسدي. إن الجسد فكرة أيضا.