تفاصيل الحياة اليومية بالأسود والأبيض

??اسم الكتاب: أسود وأبيض ??اسم المؤلف: إملي نصر الله ??الناشر: دار بيروت طبعة أولى 2001م ?? إملي نصر الله كاتبة لبنانية، ولها مؤلفات ومقالات عديدة، وتقدم هذا الكتاب كمجموعة قصص قصيرة، مبنية على وقائع مرت بالكاتبة ،أو أحداث رأتها، أو خيال تملكه، إنها تشكيلة من قصص الفكر والأدب والخيال. كتابها هذا ولو أنه يصنف ككتاب قصص، إلا أنه يدور حول محور هام وهو خواطر الكاتبة عن التناقض في الحياة، وكم هي مملوءة به، فهناك الإنسان الشرس في بيته وعلى أولاده واللطيف مع الآخرين، وهناك الكريم في الأكل والطعام وحفلات الترفيه، ولكنه بخيل في الملبس والمظهر. لهذا اختارت أسود وأبيض ليكون عنوانا لكتابها. تتحدث عن رحلاتها العديدة التي زارت فيها بعض المناطق حيث الاحتكاك الحضاري سواء بالتجاذب أو بالتنافر، وهو أكثر ما يسترعي الانتباه، ويثير القلم للكتابة. وترى أن هناك خلطا حضاريا عجيبا، فالمحافظة على التراث أمر يلقى اهتماما متزايدا، ويهتم المتحضرون للحفاظ عليه بدعوى التنوع الثقافي أو الاختلاف الحضاري، والذي يقال إنه ثروة للإنسانية كلها، وإنه تراث جماعي يجب الحفاظ عليه، ولكن هل هذا الادعاء صحيح كما يبدو من الظاهر، أم أنه وسيلة لتغليب عنصر على عنصر؟ أو إظهار حضارة أسمى من أخرى؟ هل الحفلات التي تتم للسياح على الشواطئ أو في الفنادق الكبيرة: من حفلات، وأكلات تراثية ورقصات صاخبة ومفجعة أو مخيفة، تميل إلى العنف أكثر مما تميل إلى الفن، يشترك فيها أهل البلد (الأصليون) لتكون الشهادة صحيحة، حيث تمجد أعمال يقوم بها أهل البلد على أنها تراث، وكم من منظر مؤذ لمن يراه، وكم من حيوان يقتل، ليرى الشاهد ماذا كان الناس يعملون أو ماذا يعملون حاليا، ويستنكر الأمر في أغلب الأحوال، وكأنها رسالة تعلن أن هذه الحضارة همجية، أو وحشية، أو غير متحضرة، وكأنها محاكمة لتلك الحضارة أو لأهلها، أو لمقارنتها بالحضارة الغربية التي تقدم بكل رقة وبكل جميل، وكأنها المنتهى الذي يجب أن يكون الناس عليه. وهي تطرح فكرة صراع الحضارات أو الثقافات من خلال المحافظة على التراث، مشيرة إلى أن هذا الانتقاء والاختيار هو تجاري وليس اختيارا إنسانيا، فلكل مجتمع ولكل حضارة حسناتها وسيئاتها، وجميلها وقبيحها، لذا فإن اختيار مناظر مؤلمة، أو أفعال قبيحة لتكون هي التراث الذي يشاهد، ويكون هو الشاهد أمر يسوء حضارة هذا الزمن. فنحن لا نجد هناك احتفالات تقدم للجمهور تحكي، وتعيد يوميا أو أسبوعيا، ما قام به الإنسان الأبيض من خطف عشرات السود وشحنهم إلى أمريكا، ولوعة الأمهات، وعذاب المختطفين في السفن وهم مقيدون بسلاسل واحدهم بجانب الآخر، ويعاملون كبضاعة تباع، ولا نجد أيضا إعادة دورية لحراج البيع الذي كان يتم لهؤلاء المختطفين، وهذا يمكن أن يقدم كنوع من التراث الأوربي والأمريكي، على المسارح في الفنادق، كنوع من أنواع التسلية والمحافظة على التراث. ولا يقدم الإنسان الأبيض نفسه كمغتصب للثروات، حيث يأخذونها بأرخص الأسعار ليبيعوها الى أصحابها بأسعار مضاعفة آلاف المرات. وتذكر أيضا ما تم لأهل الإسكيمو ومثلهم قبائل الهنود الحمر في أمريكا الشمالية، حيث قضت الحضارة الغربية على كل حضارتهم وفكرهم وثقافتهم، بل إنها حصرتهم في مواقع معينة، مثلها مثل محميات للطبيعة أو للطيور، وبعد كل هذا التدمير الحضاري والثقافي، نجد الاهتمام المتزايد من قبل دعاة المحافظة على التراث الإنساني على وضع أبجدية للغات تلك المناطق والقبائل التي لم تعرف الكتابة أو القراءة مثل لغات بعض قبائل الهنود الحمر والإسكيمو. أي أن التدمير الذي حصل لتلك الحضارات، ليس بالبال، وانصب الاهتمام على وضع أبجدية للغة تكاد تنقرض، بل إنها محدودة الاستعمال، بدعوى أنها تراث إنساني يجب الحفاظ عليه، وهذا ما يدهش الكاتبة لما فيه من التناقض. وترى أن الاهتمام الذي انصرف للحفاظ على اللغة التي لن تبقى طويلا، كان من الأولى الاهتمام بالإنسان نفسه، فهو مشرد في أرضه، وفرصته في العمل ضعيفة، وفرصته في الغنى والثروة والحياة الكريمة أضعف. ملاحقة الأفكار الواردة في هذا الكتاب لا تتطلب جهدا من القارئ فالكاتبة قدمتها بلغة جميلة وبسيطة، يرى فيها فكر الكاتبة الحضاري المتفتح والمتوسع، ترى أن الرجل الغربي يقدم كل الترحيب والتسهيلات لغير لونه، مدعيا الإنسانية وعدم العنصرية، وينتقل هذا الإنسان المقهور والمغلوب على أمره إلى أرض الميعاد، ولكن بدلا من أن يجد السمن والعسل يجد النظرات المشمئزة، ويجد الترحيب البارد له كضيف ثقيل، يحس أن الدعوة لم تكن صادقة. أو إنها كانت تحمل أهدافا أخرى. ويعيش المهاجر، وما أكثر المهاجرين اللبنانيين الذين تقابلهم، وكم تسمع من قصص الشوق للعودة، وقصص الذكريات الجميلة، ولكنها تعلن وتكتب عن حيرة المهاجر الذي لم يجد القلب الكبير عند وصوله لبلده الجديد، وليس من الأمر اليسير بأن يعود من حيث جاء، ويرجع مكسور الجناح، فيبقى المهاجر في هذا التيه الذي تصطبغ فيه حياته دائما. وتؤكد الكاتبة مقولة سابقة وهي أن التراث لا يحفظه سوى (المرأة) الأمهات، وهي حقيقة لا تزال تتفاعل وتصدق حتى يومنا هذا، فالأمهات يحفظن ويحافظن على التراث كما تعلمنه من صغرهن مع أمهاتهن، وهن أيضا أخذنه عن أمهاتهن، وهكذا تمتد السلسة إلى القرون الماضية بل إن التعبيرات التي تقول إن أحسن طبخ هو طبخ الأم ،وأحسن خبز تأكله من فرن البيت، وأحسن مربى أو أحسن مخلل هو صنع البيت هي تعبيرات تؤكد ذلك، فهذه الأعمال تقوم بها ربة البيت في أغلب الأوقات. هكذا نجد أن البيت وسيدته هي الأم وليس الرجل الذي يقضي أكثر وقته خارجه. كتاب قصص جميلة تحمل رؤية إنسانية بعيدة المدى، ونظرة فلسفية لحضارة اليوم. وفيه صراع بين الحضارات الإنسانية المختلفة سابقا وحاضرا، وكيف ينظر كل منهما للآخر، فأحدهما وهو القوي يسخر الآخر لخدمته ويأخذ منه ترف الخدمة، ويقدم له فتات الخبز. ???