الحرب لعبة للكبار فقط!!

??اسم الكتاب : ليل البلاد ?? ا سم المؤلف: جنان جاسم حلاوي ??الناشر: دار الآداب بيروت 2001م ??رواية جديدة عن الحرب، وروايات الحرب أنواع منها حرب الجواسيس، وحروب التجارة، والحرب ضد الفقر، وأخرى تتناول الحرب ضد الجهل، وحروب الخيال، ولكن عندما يكون المؤلف كاتبا عراقيا فإن القارئ سيدرك أنه أمام كاتب خبير في أمور الحرب وواقعها، وسيعلم أن هذه الرواية ليست خيالا، حتى ولو بناها المؤلف على الخيال، أو كتبها الكاتب وقدمها من البرج العاجي، إن كاتبها عراقي تلوع من الحرب وآثامها، واحترق هو وأبوه وجده وابنه في حروب لا تنتهي، ويقدم للقارئ فلسفته في الحياة والموت والحكمة من هذا الدمار الذي يصنعه الإنسان بنفسه لأجل مبدأ أو كرامة أو فكرة. الرواية يرويها لنا الجندي عبد الله الذي يجند ويعلم ان تجنيده يعني دخوله إلى قائمة سريعي الموت، والانتهاء من هذه الدنيا، ولكن لهذا الجندي أمل آخر، فهو محب للحياة ويرغب في البقاء بقدر ما يرغب أرباب التجنيد في الإسراع بإعداده للجبهة، هذه الجبهة التي يرى أنها مكان للمغامرة يقفز فيه الإنسان، يركض، يطلق النار ويقتل أو يقتل ويعود بطلا حتى لو في تابوت. هذه الجبهة التي يريدون إرساله إليها، تتناقض تماما مع الجبهة التي يريد الذهاب إليها هو، هذا الجندي البسيط عنده جبهة أخرى مناقضة لجبهتهم، إنه إنسان يريد ان يصنع نفسه وحياته، وأن يكون مصيره بيده، لا بقرار من رجال يضعون نجوما وشعارات على أكتافهم، ويعيشون في رفاهية، ويبيعون للشباب شعارات لم يؤمن بها هذا الجندي ويقول عنها: إن المثل التي سيستقتل من أجلها هؤلاء الشباب ليست غير كلمات لا دلالة لها في الواقع. ليل البلاد رواية، من اسمها يتحدد معناها، فإن البلاد جميعها دخلت في ليل أسود طويل، الكل ينتظر الصباح، ولكن هذا الليل وقفت فيه الساعة عن الحركة فطال زمانه، وامتد سنوات طويلة، وامتنعت فيها أنوار الشمس من الإشراق وتبديد الظلام. هذه الرواية تعتبر من روايات الحرب، ولكنها تحكي قصة صراع الجندي من أجل الحياة والبقاء، وكيف يسعى هذا الجندي لينقذ نفسه من نيران الحرب، التي كتبها الآخرون عليه ولم يكتبها هو وليس براض عنها. قد يتهم هذا الجندي بالخيانة أو بالخوف أو بالهروب أو عدم الولاء للوطن، ولكن كل هذه الصفات والنعوت لا تتوافق مع عبد الله الجندي الذي لم يمانع في الذهاب للجبهة، ولكنه إنسان آخر غير مؤمن بما تفعله الحرب وغير مؤمن بنتائجها، ويرى أنها مسلسل طويل لا نهاية له يلتهم الشباب ويفني الشيوخ، ويرمل السيدات وييتم الأطفال، إن هذه العواقب لا تساوي شيئا مما تقدمه الحرب في نتائجها، أو مكاسبها للبلاد، أو لأبناء الحرب، سوى ذكرياتها المؤلمة التي يتبارى فيها المشاركون، بذكر الأهوال التي تعرضوا لها، وكم كان الموت قريبا منهم، وكيف أن نجاتهم كانت بقدر عجيب أو بمحض الصدفة، إنها حياة قلقة في الجبهة. الرواية تكشف الحرب وقسوتها، بداية من إعداد هذا الإنسان الجندي ليكون حطبا لها، فيجهز ليموت، وفي تجهيزه هذا يلقى أصناف العذاب والتعب، وكل هذا بدعوى إعداده ليبقى حيا، ومع ذلك يرسل إلى الجبهة، حيث يتقابل مع الموت في كل لحظة، ولا ينقذه من الموت إلا حسن حظه أو قدر عجيب. إنها القسوة بعينها، إن الرواية تقول إن الإنسان لم يخلق للحرب، إنه خلق للحياة والبقاء، ولكن الأطماع البشرية، وتسلط الإنسان على الآخرين، لا يمنعه من سوقهم إلى الحرب وإلى القتل من أجل مبادئ اخترعها الإنسان وطلب من الآخرين الإيمان بها واعتناقها، بل والحرب والموت من أجلها. الرواية تبحث عن سبب وجيه للحرب، ولم يجد هذه الجندي البسيط ما يجعله يؤمن بها، فالمبادئ يجب أن تكون لحياة الإنسان لا لموته، ويجب أن تكون المبادئ ضرورة للحياة وليس ترفا من الفكر والأدب والأطماع السياسية. الرواية تتحدث عن الجندي المسكين المغلوب على أمره الذي تلغى إنسانيته وأرادته ليدافع عما لا يؤمن به ولا يقتنع به ولا ينتفع منه. إنها ضريبة كبيرة على المجتمع الذي يضحي بشبابه لأجل فكرة أو مبدأ من وضع البشر، ولكننا أمام جندي يحارب من أجل البقاء، يحارب الحرب، ولكن ليس بالسلاح، فمشكلة هذا الجندي هو الموت، والسلاح لا يقدم سوى الموت، لذا فإن حربه ضد الحرب بلا سلاح، إنها حرب الإنسان ضد المجهول . هذا الجندي ينتظر الموت في كل لحظة، في جبهات القتال، وفي جبهات الجدال الفكري والنفسي، وفي جبهات الصراع السياسي، ولكنه في الوقت نفسه يسعى لإنقاذ نفسه والنجاة بها في كل لحظة، وكلما زاد الحصار عليه واقترب منه الموت، كلما زادت رغبته في الحياة، إنها هي مطلبه، في واقع يحرمه منها، ويعتبرها منحة له أي يمكن سحبها أو أخذها منه. رواية ليل البلاد يمكن أن نسميها رواية فلسفة الحرب، من كاتب عراقي يعيش في بلد الحرب ومن جيل كامل لم يعرف السلام، حتى وإن لم يكن على الجبهة، فالعراق كله أصبح جبهة قتال داخلي وخارجي، وقتال جوع وقتال فقر وقتال جهل. يتساءل هذا الجندي عن معنى النصر الذي لا يتحقق إلا بموت الآخرين، ويتساءل عن الحروب في التاريخ الطويل ومن بقي منتصرا فيها دائما، ومن بقي مهزوما دائما، إن التاريخ لا يعرف نصرا ولا هزيمة، وليس هناك رابح أو خاسر في التاريخ، لان المكسب والنصر في مكان يعني خسارة وألما في مكان آخر، إنها معادلة لا تتحقق إلا بشقاء أحد الطرفين. إنها رواية، تحمل لمحات فلسفية وتحكي عن قسوة الحرب على الإنسان، والعجيب أن هذا الإنسان هو الذي يصنعها، ليدمر نفسه أو يدمر الآخرين. ???