طبيب يكتب مذكراته السياسية!!

??اسم الكتاب: ذكريات أيام السياسة. ?? اسم المؤلف: د. عبد السلام العجيلي ??الناشر: دار الساقي في بيروت 2000م ??الدكتور عبد السلام العجيلي سوري الجنسية، امتهن الطب، ولكن هناك مهنة أخرى شغلته وشهرته أكثر من الطب، إنها مهنة الأدب والسياسة، فالدكتور العجيلي له باع كبير في الأدب بكل صنوفه الإبداعية، فهو شاعر، كتب القصائد العديدة في مناسبات وطنية واجتماعية وعاطفية، وكان يكتب مقالاته الفكرية والسياسية بانتظام في العديد من الجرائد والمجلات اللبنانية، ولم يكتف من الأدب بهذا فقط بل وقدم عشرات القصص والروايات الجميلة. ويقول إن ما قدمه هو خمس روايات طويلة، وثلاث عشرة مجموعة قصصية، وخمس مجموعات من المحاضرات، وثلاثة كتب ذات اهتمامات طبية، وثلاثة كتب رحلات، إضافة الى كتب المذكرات. ولم يقتصر عمله على الطب والفكر والأدب، بل دخل في عالم السياسة من كل الأبواب، فكان نائبا في البرلمان السوري في عام 1947م، وتولى منصبا وزاريا بعد انهيار الوحدة بين مصر وسوريا جمع فيها حقائب وزارية هامة وهي وزارة الخارجية والثقافة والإعلام. ويفخر الدكتور العجيلي بتفرده في العمل السياسي حيث يقول إنه لا ينتمي الى أي حزب سياسي، وهو من المستقلين بالفكر والاتجاه عن بقية الأحزاب التي لا يرى فيها ما يقنعه بالانتساب إليها أو تبني مبادئها. ويقول أنا حريص قدر الإمكان على حريتي الشخصية، وإذا كنت لم انتسب إلى حزب سياسي، وابتعدت عن كل منظمة فكرية أو ثقافية. فذلك حرصا مني على أن لا يحد انتسابي إلى أي مؤسسة من حريتي. يقدم لنا في كتابه هذا مذكرات غاية في الأهمية وهي ذكريات الانفصال بين سوريا ومصر والتي قامت بينهما وحدة عربية هي الأولى من نوعها في التاريخ الحديث بين دولتين عربيتين، وسميت الدولة الوليدة من ذلك الاتحاد باسم (الجمهورية العربية المتحدة)، ولكن هذه الدولة لم تعمر طويلا، فكان الاتحاد في أوائل عام 1958م وانتهى بربيع 1961م، وانتهى معه الحلم العربي بوحدة شاملة لكل الأمة العربية، كما كان يكتب آنذاك. وفي مذكراته هذه يؤكد لنا أنه كان معارضا لفكرة الوحدة، ليس من باب المبدأ العام، بل لأن الوحدة لم يأت وقتها بعد، وهو يرى أن أي وحدة بين دولتين لا تبنى بشعارات ولا هتافات حماسية من الجماهير للقادة الذين يبحثون عن تصفيق أكثر. وكان من الواجب قبل البدء في الوحدة دراسة الاختلافات بين مصر وسوريا، فهناك صراعات وتمزقات تلف القطرين السوري والمصري داخليا وخارجيا وتاريخيا وجغرافيا. وهو يفخر بأنه حذر وأعلن ان الوحدة ستفشل، وقال ذلك قبل إعلان الوحدة، ونشر مقالاته هذه تنويرا وتبصيرا، ولكن موجة الوحدة والاندفاع العربي العارم وصوت الجماهير الشعبية كان هو الصوت الغالب والقوي، وكان لا يستمع أحد للأصوات الضعيفة المعارضة في حينه، بل كانت تتهم باتهامات غوغائية. ويضع مذكراته هذه في ستة فصول، وهي: دوافعه للمشاركة في الوزارة عام 1962م، وآراؤه قبل الوحدة، ويقدم فصلا كاملا لكل وزارة عمل فيها وهي وزارة الثقافة ووزارة الخارجية ووزارة الإعلام. يقول إنه أثناء عمله في هذه الوزارات لم يكن يحمل أفكارا موجهة، فلا أفكار حزبية ولا قومية، بل كان اهتمامه العمل لما يراه صالحا للبلد في تلك الظروف، وكان ذلك هو الموجه له في فكره وعمله، وكان الإخلاص للوطن هو الخط والطريق الذي اتخذه في قراراته. ويذكر أن هذا الاتجاه كان ناجحا جدا، ودليله على ذلك أن من جاء بعده تبنوا الكثير من خططه، واعتبر ما كان يقدمه من أفكار في هذه الوزارات هي بمثابة وثائق، وإشارات اتجاه، بقيت بعده، ولم يلق من يعترض على سير أعماله حتى بعد خروجه من معمعة السياسة الصاخبة إلى معمعة صرير الأقلام. أضاف الكاتب إلى عنوان كتابه جملة: إن هذا هو الجزء الثاني من كتاب لم يكتب الجزء الأول منه، وهي إشارة لطيفة أن هذا الكتاب ليس البداية، بل إنه جزء من شيء كبير، وقد كتب المؤلف كثيرا من الكتب، التي قد يكون في جزء منها ذكرياته في السياسة، فقد ألف كتابا أسماه ( جيل الدربكة ) وهو آراء في العلم والفكر والسياسة، وكان ذلك في عام 1990م وكان مجموعة من المقالات، التي نشرت له في الصحف العربية في بيروت وسوريا، وهي عن الفترة اللاحقة لمذكرات هذا الكتاب، أي أنها مقالات من عام 1963م وما بعد ذلك، ثم كتب كتابا أخر بعنوان أشياء شخصية، وفي هذا الكتاب أيضا مجموعة من ذكرياته في الحكم والسياسة. لماذا يكتب ؟ للمؤلف نظرة خاصة نحو الكتابة، فهو طبيب ولا يزال يمارس مهنة الطب ويردد مقالة معروفة (الطب زوجتي والأدب عشيقتي) ولكنه يقول عن الكتابات السياسية في عصور سابقة كان يمكن لأي إنسان أن يبقى بعيدا عن السياسة، لبساطة الحياة وقلة التواصل بين الناس، ولكن السياسة في العصر الحاضر أصبحت طبيعة ثانية لكل إنسان. والأديب مضطر أن يكون سياسيا من قريب أو من بعيد. وبهذا عليه أن يعي دوره وأن يقدر إمكاناته ويؤدي واجبا. عليه بأن لا تكون كتابته لمجرد الإبداع والتسلية، بل أن ينتهزها وسيلة ويسلكها طريقة لإفادة الآخرين، بفتح عيونهم على ما ينالهم من ظلم أو ما تهددهم من مخاطر أو على ما يكون سبيلا لتحسين عيشهم. كتاب ثمين يحتوي على معلومات تاريخية هامة عن فترة تحولات كبيرة في تاريخ الأمة العربية، يكتبها إنسان عاصرها وشارك في أحداثها، بل وصبغها بلون من أفكاره بحكم عمله ومركزه. ???