عندما تبكي النساء في الأدب الياباني!!

??اسم الكتاب: من الأدب الياباني (روايتان في كتاب واحد رواية مطبخ، ورواية خيالات ضوء القمر) ??اسم المؤلف: بنانا يوشيموتو ??تعريب: بسام حجار ??الناشر: سلسلة كتاب إبداعات عالمية 2001م (المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت) ??لاريب أن الأدب هو نتاج البيئة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية في أي بلد، ونجد أن القصص والراويات الاجتماعية تعطي القارئ صورة جلية عن المعتقدات والعادات والثقافة السائدة في بلد الكاتب والأديب، فالمشكلة الاجتماعية التي يطرحها الكاتب العربي، ينظر لها ويعالجها من واقع البيئة التي عاشها ونشأ فيها، وقد يطرح الحلول أو الرؤية للمشكلة بما يتنافى مع فكر أديب هندي أو أمريكي في حالة معالجته لنفس الوضع. فما يراه المجتمع الهندي عيبا، ليس بالضرورة أن يراه المجتمع العربي كذلك. وفي هذا الكتاب (أحد سلسلة الإبداعات العالمية والمخصص في هذا الإصدار عن الأدب الياباني)، يقدم لنا الناشر إحدى أديبات اليابان المشهورة، وهي تعالج قضيتين إنسانيتين يمكن حدوثهما في كل مكان وفي أي مجتمع، ومن هاتين الروايتين المشهورتين كثيرا في اليابان ( طبع منهما ملايين النسخ) نرى كيف طرحت هذه الأديبة القضية وكيف تمت معالجتها من وجهة نظرها، وهي وجهة نظر البيئة التي تسمح بأمور وتحرم أمورا، يضطر الكاتب بدون أن يشعر إلى احترامها. القضية المطروحة في القصة الأولى وعنوانها مطبخ ماذا تفعل فتاة في العشرين من عمرها إذا شعرت فجأة أنها أصبحت بدون أسرة، وأنها تستأنس بأجواء المطبخ أكثر من أي مكان في العالم. إنه موضوع شيق، ويمكن معالجته من قبل أدباء من كل أنحاء الأرض، لأن الوضع والقضية يمكن أن تحدث في أي بلد من البلدان، ولكن المعالجة ستختلف من أديب إلى آخر، ومن بيئة فكرية واجتماعية إلى أخرى. تناولت هذه الكاتبة هذا الموقف وجعلت منه رواية شيقة وممتعة، على الرغم من بساطة الفكرة وبساطة الأبطال، فهي رواية شعبية بطلتها فتاة من طبقة عاملة أو مجهولة، ولكنهم يمثلون الحياة بواقعها. تتعرف هذه الفتاة التي اسمها (ميكاج) على فتى بسيط هو (يوشي) يسكن مع أمه، وتتعرف الأم على الفتاة وتنشأ بينهم علاقة صداقة ومحبة، ولا يفكر الشاب بالزواج، وبقيت هذه الفتاة معهم بزيارات طويلة، وتقوم بهوايتها المفضلة في الطبخ، وعمل الشاي، وتنظيف المطبخ. وتموت الأم بحادث قتل، وتنقلب حياة الشاب، ولا يجد ملجأ له إلا هذه الفتاة التي تعينه على التعامل مع مصيبته في أمه، وتقوم هذه الفتاة بدور الأم والأب والحبيب لهذا الشاب. وتتغير حياتها الهامشية التي لم يكن لها أي معنى أو هدف تعرفه، ولكن هذه التطورات في حياتها، أعطتها معنى وأهمية، حتى وإن كانت مشاكل صغيرة وتافهة فهذه الظروف خلقت لها هدفا وضرورة في الحياة، وأصبح لحياتها قيمة لها وللصديق. وانتقلت حياة هذه الفتاة من الهامش إلى المركز، ليس بالمال ولا بالعمل، ولا بالنجاح في الحياة بل انتقلت إلى المركز بالشعور بالأهمية لشخص آخر، وأنها أصبحت ذات نفع إنساني. والرواية الثانية وعنوانها خيالات ضوء القمر هي أيضا تدور حول موقف إنساني نجده في جميع المجتمعات، وهو حالة الحزن الشديد لفقدان شخص عزيز أو قريب، والشعور المرافق بالوحدة والضياع. تفقد ساتسوكي حبيبها في حادث سير مفجع، يصيبها حزن عميق وتعتقد أن حياتها انتهت عند فقد هذا الحبيب. وأنها أصبحت رهن الماضي. لم تتمكن من نسيان هذا الحبيب فهو يظهر لها في الأحلام، وتراه يحدثها، وتصحو من النوم وهي تزداد حبا له وقربا منه، إن الزمن لم يساعدها على نسيان هذا الميت الغالي. وتدور الرواية عن مقدار الحب الذي كان بينهما، وهنا تتدخل الاعتقادات اليابانية والأفكار التي نجدها في بيئة ولا نجدها في أخرى، فإن هناك اعتقادا بأن الأحياء يمكن أن يقابلوا الأموات في حالة الحب الشديد، في ظل ظروف خاصة تجتمع فيها الطبيعة والزمان والميت والمحب الوفي، تخرج المفجوعة بحبيبها قبيل الفجر إلى النهر الكبير، وهناك تقول الرواية: سمعت في باطن أذني صوتا يكاد يكون غير مسموع .. لم يكن هناك سوى النهر والسماء وأنا .. وممتزجا بالماء والهواء، ذلك الصوت الأليف، ذلك الصوت المحزن.. الجرس الصغير. لم يكن هناك مجال للشك أنه رنين جرس (هيتوشي). كان يصدر رنينا خافتا في ذلك الفضاء الذي لم يكن فيه أحد سواي. أغمضت عيني لكي أسمعه طي الهواء على نحو أفضل، ثم فتحتهما مجددا، وعندما نظرت إلى الضفة الأخرى، حسبت أنى جننت حقا، ...كنت أكثر جنونا مما كنت عليه خلال الشهرين المنصرمين. كدت أن أصرخ وتمالكت نفسي بمشقة كبيرة. كان هيتوشي هناك. هيتوشي، أتريد أن تكلمني؟ أنا، لدي الكثير لأقوله لك. كم أود أن أركض إليك، أن ارتمي بين ذراعيك، أن أشاطرك فرحة لقائنا مجددا.. بدأت الدموع تنهمر من عيني، لقد فرق بيننا القدر لا أملك إلا أن أتطلع إليك من بعيد باكية، وأنت أيضا، ترمقني وقد بدا عليك الحزن.. ومع تسلل أنوار الفجر الأولى بدأ كل شيء يتلاشى على مهل، وأمام ناظري راح هيتوشي يبتعد شيئا فشيئا راح يلوح بيده مبتسما وبدوري أومأت بيدي وتتوالى القصة عند هذا اللقاء بين روحين، تكتفي الحبيبة بهذا اللقاء، وتعود مرتاحة لتشرب القهوة، وكأنه لقاء حقيقي.. الكاتبة روائية يابانية مشهورة نالت الجوائز على هاتين الروايتين والرواية الأولى طبعت أكثر من ستين مرة، وترجمت لعدة لغات واقتبست قصتها لتظهر فيلما سينمائيا. ???