الكتاب الإلكتروني لا يزال في الإنعاش!!

في صيف عام 2000 م كانت كل التنبؤات تشير إلى أن الكتاب الإلكتروني سيأخذ مكانه المنافس للكتاب الورقي، بل إن بعض التكهنات تقول إن الكتاب الورقي في خطر، وإنه سيكون من ذكريات القرن الماضي، بل كان هناك تنبؤ متطرف بأن الانقراض سيحدث في سنوات قريبة، بسبب قوة ظهور التقنية المصاحبة للكتاب الإلكتروني، والذي سيكون بديلا مناسبا ومفضلا في كل الخصائص على الكتاب الورقي، الذي يعيبه اعتماده على الورق والحبر وكلاهما يمثل عبئا ماليا على المشتري، وعلى البيئة أيضا، إضافة إلى مشاكل التخزين، والمسترجع من الكتب، والتلف السريع الذي يصاحب الكتب الورقية. والتجربة الأولى أكدت صحة هذا الاتجاه نحو قبول السوق للكتاب الإلكتروني، فقد ألف كاتب قصص الرعب الشهير، (ستيفن كنج) روايته ركوب الطلقة (Riding the bullet ) لتكون أول رواية لا تطبع على ورق، بل تباع للراغبين في قراءتها بنسخها على أجهزتهم بأنواعها، وكان الطلب شديدا ومشجعا له، خاصة وأنه جعل نسخ الفصل الأول من روايته مجانا. وبلغ عدد النسخ التي نسخها القراء من الفصل الأول من الرواية، عشرات الآلاف خلال أيام، ولقي هذا النشر الرائد والجديد في الفكرة والطريقة، ترحيبا كبيرا من القراء ومن بيوت التقنية وأدبياتها. ونمت هذه الفكرة وخشي الناشرون فوات الفرص عليهم، وبدؤوا في الإعداد للدخول في هذه التقنية الجديدة، لأن كل الدلائل تشير إلى نجاح الفكرة والطريقة، وليس هناك من يشكك في نجاح هذا النوع وهذا الاتجاه الحديث، بل وتسارعت الأحداث فقامت شركات متخصصة لإعادة طباعة الكتب القيمة والمرغوبة في السوق لتكون جاهزة للقارئ على أوعية قراءة الكتب الإلكترونية. وقامت دعاوى بين شركات النشر القديمة، والشركات الحديثة حول حقوق النشر والملكية السابقة للكتب، وانتهت أيضا لصالح الشركات الجديدة إذ حكمت محكمة في مدينة نيويورك، بحقها في طباعة الكتب من جديد، وبيعها بهذه الوسيلة الجديدة. مما زاد في قبول فكرة الكتاب الإلكتروني، ونشره بشكل موسع ليشمل الروايات الجميلة والرائجة، والمطلوبة جيلا بعد جيل. السوق والأرقام تقول غير ذلك! وعلى الرغم من كل ما سبق من ظواهر تدعو إلى ضرورة نجاح هذا الكتاب، إلا أن تقارير السوق المتتالية، وآخرها التقرير عن سوق النشر في صيف 2001م تقول غير ذلك، فالكتاب الإلكتروني لم يلق النجاح والانتشار المتوقع له، وتشير الدراسة التي تحدثت عنها بعض الصحف الأمريكية، أن الأسباب عديدة، ويمكن النظر إليها على أنها فكرة لمعت سريعا في عاصفة الطفرة التى صاحبت ظهور الإنترنت وتقنياتها المتسارعة، حملت معها أيضا الأحلام الكبيرة حول مستقبل الكتاب الإلكتروني. وتوقفت الأفكار والأحلام بهدوء عاصفة الطفرة التقنية، في الفترة الأخيرة، فهي تعاني حاليا من نكسة شديدة نتيجة الصعود الرأسي الكبير، الذي جعل من فترة التشبع المؤقتة، والتقاط الأنفاس، انتكاسة كبيرة وسقوط رأسي مؤلم ومدو، فالكثير من شركات التقنية تعاني حاليا من الكساد الكبير والاستغناء عن المهارات والخبرات الكبيرة لديها، وتوقف التطور في كثير من المجالات المصاحبة لتلك الطفرة غير المسبوقة في التاريخ. وسبب آخر قد يكون هو الأهم، هو أن أوعية الاستقبال لم تتطور التطور المناسب للمستهلك، فالأجهزة التى تستخدم لها ثلاثة عيوب: 1-الإعداد الأولي وتجهيز الكتب للنشر الإلكتروني يختلف باختلاف وعاء الاستقبال، فهناك أوعية متعددة، مما يجعل الاستقبال محدودا بمن يملك ذلك الجهاز المناسب. فالتقنية والمنافسة جعلت هناك أوعية مختلفة تحتاج كل منها إلى إدخالات خاصة، مما أضر بصناعة النشر الإلكتروني كثيرا. 2-صعوبة التعامل مع أوعية الاستقبال، مما يحد كثيرا من التمتع بالقراءة الاستجمامية، فهناك الكمبيوتر الكبير في المكتب مما يحرم القارئ من متعة الاستلقاء على السرير، أو على الأريكة بجوار المدفئة أو في الحديقة. وهناك الأجهزة الصغيرة التي لا تسمح بصفحة كبيرة وواضحة، مما يحد من التركيز والمتابعة في القراءة. إضافة إلى تعقيداتها بأزرتها الكثيرة العدد والصغيرة الحجم. 3-الارتفاع غير المتوقع في قيمة الكتاب الإلكتروني.، فكان من المنتظر أن تنخفض قيمة الكتاب غير المطبوع، ولكن قلة الإقبال عليه رفع من سعره، لتغطية تكاليف إعداد الكتاب للنشر الإلكتروني، فمن الملاحظ أن سعر الكتاب الإلكتروني غير منافس للكتاب المطبوع، بل في أحيان يفوقه بالسعر، مما يصرف المستهلك عنه، خاصة وأن هناك تكلفة إضافية أخرى، وهي قيمة وعاء الاستقبال، وهو مبلغ كبير أيضا. إلا أن هذا السعر المرتفع كان له أثر جانبي إيجابي، فقد شجع بعض دور النشر المجهولة، من الدخول في هذا العمل التجاري، بطباعة كتب لمؤلفين غير مشهورين، وأغلب منشوراتهم هي روايات حب، أو روايات بوليسية، ويتم بيعها بنسخها إلكترونيا بسعر منخفض، لعدم وجود تكاليف أولية على هؤلاء الناشرين، باستثناء الإعداد الأولي فقط، فليس هنا شراء للحقوق بل يعتمد المؤلف على المشاركة في عمليات البيع. وساعد هذا الاتجاه على بقاء فكرة الكتاب الإلكتروني، حيث إن الطلب في ازدياد على هذه الكتب الرخيصة، التي لا تزيد قيمتها عن ربع قيمة الكتاب المطبوع، ولاقت إقبالا كبيرا مما شجع أصحاب الفكرة على البقاء فيها والاستمرار، ويعرض الآن أكثر من 300 عنوان، ويباع من هذه المجموعة ما يزيد عن 6000 كتاب شهريا. المستقبل ؟! لا يزال الأمل كبيرا في عودة الروح إلى النشر الإلكتروني، لأن الهدوء المصاحب للطفرة التقنية أثر كثيرا على النشر الإلكتروني، ولكن الجدوى لا تزال قائمة ولا تزال دور النشر تراهن على نجاح الكتاب الإلكتروني، ويقول الرئيس العام للنشر في شركة أمريكا أون لاين إننا استعجلنا الحصول على النتائج، فنحن كالطائر الذي طار قبل الفجر يبحث عن الحب فلم يجده، ولكنه سيجده بعد ظهور النور، وهذا سيحدث قريبا . ويقول نائب رئيس التطوير التقني في شركة مايكرو سفت إننا نحتاج من ثمانية إلى عشر سنوات لكي نحصل على التعادل مع الكتب الورقية، ويؤكد ذلك بأنه مستعد أن يراهن على هذا التنبؤ بوظيفته. وهو يصف الوضع الحالي المتردي بأنه نتيجة خلل تقني وخلل اقتصادي وجميعها في طريقها للحل القريب. ???