حقائق وكواليس حرب أكتوبر .. المحطة الأهم في التاريخ العربي الحديث

??اسم الكتاب: مصر في زمن الإبهام مذكرات السفير السوفياتي في مصر خلال حرب أكتوبر 1973. ??اسم المؤلف:فلاديمير فينوغرادوف. ترجمة: زكريا لبيب. الناشر: دار الحصاد للطباعة والنشر ـ طبعة أولى 2000م دمشق ـ صبحي حليمة ?? صاحب المذكرات فلاديمير فينوغرادوف، تولى مهمة تمثيل بلاده في جمهورية مصر العربية ما بين 1970ـ1974، وشهد حرب أكتوبر وتداعياتها، وشارك في شطر من مفاوضات جنيف، كما أنه عايش مرحلة انتقال السلطة إلى الرئيس أنور السادات بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، وهو ما وضع مصر أمام منعطف قادها إلى حيز مختلف عما كان سائدا أيام قائد ثورة يوليو، وأوصلها بالتالي إلى معاهدة كامب ديفيد، بعد أن بدل تحالفاتها ومخططاتها، ذاك المنعطف الذي استدعى إعادة الحسابات والترتيبات، في مرحلة يسميها السفير السوفيتي فينوغرادوف مرحلة الإبهام نظرا لما اكتنفها من غموض، ويحاول في كتابه هذا، تناولها ورصد أحداثها، ومن ثم تحليها من وجهة نظره، ومن وجهة نظر الاتحاد السوفيتي سابقا والذي أصبح الآن جمهورية روسيا، بعد أن كان قوة عظمى لها حضورها وتأثيرها في التوازنات الدولية. يركز السفير السوفيتي على التغيرات الداخلية المصرية وتأثيرها على العلاقات المصرية السوفيتية، وتنامي دور الولايات المتحدة الأميركية السياسي في المنطقة آنذاك: (العلاقات السوفيتية المصرية مرت في مراحل متنوعة، وكان للتغيرات الداخلية لهذه الدولة العربية الكبيرة والمؤثرة في مجمل العلاقات السياسية في المنطقة، أثرها الكبير على صعيد هذه العلاقات.... من خلال عملي كسفير للاتحاد السوفيتي في مصر على امتداد أربعة أعوامنشط فيها دور الولايات المتحدة الأميركية، السياسي وأصبح جليا واضحا، مستفيدة من الوضع الداخلي المصري المعقد، بعد موت جمال عبد الناصر، لتتقرب أكثر من مجريات الأحداث في الشرق الأوسط.. وقد قدم أنور السادات للجانب الأميركي، مساعدة كبيرة في هذا المجال). يبدأ المؤلف كتابه من وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، واصفا جنازته العظيمة، إلى تداعيات وتجاذبات غيابه، إلى مرحلة ما بعد عبد الناصر وتعددية الأقطاب، ثم تصفية مراكز القوى، وتفرد السادات بالسلطة دون منازع، وصولا إلى حرب أكتوبر (تشرين)، كيف بدأت، وكيف انتهت.. سير الأحداث من وراء الكواليس، إيقاف الحرب، المفاوضات، الدخول الأميركي والغموض الذي كان يلف الأمور في تلك المرحلة. ويؤكد فينوغرادوف: أن المنطقة العربية تظل كما كانت سابقا، من أكثر النقاط الحارة على كوكبنا، وإن معالجة الوضع أو النزاع سلميا في المنطقة مع توفير وضمان السلام العادل للأطراف المتحاربة، يعتبر من أهم الواجبات التي يقع تحقيقها على عاتق المجتمع الدولي. حرب أكتوبر: محور مذكرات فينوغرادوف، هو حرب أكتوبر، ومجموعة الأسئلة التي أثارتها ولا تزال.. ويذكر الكاتب بداية أن حل النزاع العربي الإسرائيلي بالطرق السلمية كان في قناعة معظم العرب، حلا غير واقعي بسبب التعنت الإسرائيلي، وكانت فكرة قيام صلح منفرد بين إسرائيل ومصر سينظر إليه عربيا كخيانة.. (ولم يكن عبد الناصر ليسمح لفكرة كهذه حتى أن تمر في مخيلته مرورا عابرا، بينما قرر السادات تنفيذها وقرر أن يكون وسيلته إلى ذلك الولايات المتحدة، لذلك بدأ في إيجاد مبررات منطقية تسمح بظهور أمريكا في المنطقة،ص70، ـ وأولها ضرب العلاقة مع السوفيت ـ وفي نهاية صيف 1973، تم إرسال حافظ إسماعيل مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان مكلفا بإجراء لقاءات سرية مع الرئيس الأمريكي نيكسون ووزير خارجيته كسينجر، ولكي يغطي سرية سفره فقد مر على موسكو ولندن. كان يتم التحضير لشيء ما .. قبل ذلك وفي أيار 1973، كان السادات قد قام بتجميع ـ قدر استطاعته ـ جميع السلطات في يده ..ص72ـ73. (منذ استلامه للحكم أدرك السادات إن إزالة أثار العدوان الإسرائيلي مادة يمكن استغلالها في العلاقات السياسية، فاستغلها على الصعيد الداخلي لتصفية خصومه كما استخدمها كورقة ضغط على الاتحاد السوفيتي كي يلقي عليه أسباب تعقيد وزيادة توتر الوضع .. وليحصل على مساعدات خاصة، وأما على الولايات المتحدة الأمريكية بأن يجلب انتباهها إليه..كي يصبح بالنسبة إليها الشريك الذي لا تستغني عنه) ص69. وفي هذا السياق اتخذ السادات قرار الحرب بدون تنسيق مع الاتحاد السوفيتي، واستطاع الجيش المصري عبور قناة السويس، في وقت كان الجيش السوري يجتاح منطقة الجولان السورية المحتلة، لكن المصريين تقدموا مسافة أخرى إلى الأمام وتوقفوا، وهذا سمح للقيادة الإسرائيلية بتركيز مقاومتها ثم هجومها على الجيش السوري، واستعادة المواقع التي كانت القوات السورية قد حررتها، بينما بقيت القوات المصرية مرابطة في مواقعها دون أي تقدم. ويثير السفير تساؤلات كثيرة عن مجريات الحرب وما بعدها، وهو ينظر لها نظرة أحادية الجانب، ويظهر فيها انحياز الكاتب إلى أفكار الحكومة السوفيتية آنذاك بأن الامور كانت ستكون أفضل للعرب لو كان للسياسة الروسية ذات الثقل السابق. ويتابع السفير رصده لمجريات الحرب، وثغرة الدفرسوار، وما تلاها مما شكل المقدمات الأولى للزيارة الشهيرة للرئيس السادات إلى القدس المحتلة.. ويفصل السفير في الأحداث التي تلت الحرب، من المباحثات بين السادات وكيسنجر، إلى فصل القوات ثم عقد مؤتمر جنيف وأحداثه، ويورد تفاصيل مباحثات المؤتمر، ويركز على انسحاب مصر من العلاقة مع السوفيات، في مقابل التقارب مع أمريكا، وفي السياق يورد العديد من الأقوال التي تحتاج إلى التمحيص عن تلك المرحلة التي أسماها مبهمة من تاريخ مصر ـ والعرب ـ الحديث. مصر في زمن الإبهام مذكرات تعيد التذكير بوقائع لابد من مراجعتها، كأحد أهم المحطات في التاريخ العربي الحديث. ???