طوفان قادم من كتب السير والتراجم!

نجحت مؤسسة الفرد نومف بشراء حقوق طباعة ونشر مذكرات الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية بل كلنتون، بملبغ قياسي زاد على العشرة ملايين دولار. والهدف كما تقول الشركة هو تأكدها بأن الكتاب سيكون سلعة مطلوبة، فهي مذكرات رئيس أكبر دولة، وفاز مرتين في الانتخابات، ومرت فترة رئاسته بعواصف محلية وعالمية، وتعرض هو شخصيا لعواصف كادت أن تطيح به، لولا قدرته الفائقة على العمل السياسي الفذ. لذا فإن المذكرات ستكون كتابا شيقا ورائجا، وعلى هذا غامرت الشركة بشراء الحقوق، ودفع هذا المبلغ الضخم. ولكن هل هذا القرار مغامرة؟ يعتقد أكثر الناشرين أنها مغامرة أقرب إلى الفشل، والسبب ليس لأن كتب السيرة الذاتية غير مرغوب فيها، بل لأن المبلغ كبير جدا، ولأن سيرة الرئيس المذكور معروفة للجميع، بل إنه من أكثر الرؤساء الذين كتب عنهم، بسبب الفضائح التي عصفت بفترة رئاسته، فهناك من يقول وهل بقي شيء مخفي عنا لنعرفه؟ ويعتقد بعض الناشرين أن هذا الكتاب سيكون سلعة مرغوب بها عند البعض لمن لهم اهتمامات خاصة، ولكن الكتاب لن يلاقي الإقبال الكبير، الذي يسمح له ببيع ملايين النسخ المطلوبة لتعويض الناشر عن قيمة العقد الكبير. كتب السيرة والتراجم: وهناك ظاهرة انتشار كتب السيرة الذاتية، ويلاحظ أنها ترتفع سنويا ويزيد الإقبال عليها، ولا ينافسها في بيع الكتب سوى كتب الطبخ ووصفات الأكلات. وبلغت مبيعات كتب السيرة الذاتية والتراجم في بريطانيا في العام الماضي 4.6 مليون كتاب، ونسبتها تزيد عن 4? من إجمالي مبيعات الكتب. تقول الإحصائيات إن هناك طوفانا من كتب السير الذاتية، من جميع فئات المجتمع لوجود إقبال عليها، فهناك كتب مذكرات عن الممثلين والمغنين، وهناك كتب الرياضيين، بأنواعها من كرة القدم إلى التنس وإلى لاعبي الغولف، وهناك كتب النجاحات الكبيرة والثروات الهائلة وغير المسبوقة في التاريخ، عن أعلام الكمبيوتر، وبعضهم صغيرو السن بل إن بعضا منهم كتب سيرته الذاتية (أو كتبت له) وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره. لأن لديه ما يقوله وما يرغب الناس في قراءته عنه. وبهذه المناسبة نشرت الصحف البريطانية والأمريكية بعض الدراسات عن كتب السيرة الذاتية والمذكرات، ويظهر من الدراسات أن كتب السيرة هي مطمع الكثير من دور النشر، لأن أكثر هذه الكتب ينجح، ويحقق ربحا للناشر، وتتحدث الصحف البريطانية عن نجاح كتاب مذكرات (دكي بيرد Dickie Bird ) حكم في لعبة الكريكت، وهو كتاب نجح كثيرا، ويقول مؤلفه إنه اغتنى من هذا الكتاب فقد باع منه ما يقرب من مليون نسخة وتحصل خلال عام واحد على ما لم يتحصل عليه عندما كان يلعب في فريق الكريكت كمحترف، ولا ما تحصل عليه من احترافه للتحكيم. من هي الشخصية التي يهم الناس قراءة مذكراتها؟ من الدراسة حول كتب السيرة الذاتية والتراجم تبين أن الناس تقرأ السيرة الذاتية في حالات عديدة، وهذا سر انتشار هذه الكتب والإقبال عليها. أولا: أن تكون الشخصية مشهورة، وليس بالضرورة أن تكون ذات شهرة عالمية، ويكفي أن تكون شهرة محلية أو شهرة في مهنة معينة، كأن يكون الشخص مشهورا رياضيا، أو مشهورا في حقل الرسم مثلا. فهذه الشهرة المحدودة تجعل له شعبية وإقبالا عند أصحاب المهنة أو عشاق الفن أو الرياضة. ثانيا: أن تكون هناك قصه حقيقية وممتعة خلف هذه الشهرة، وقد تكون الشهرة قصة نجاح غير عادي بكفاح وتخطي عقبات، أو خبطة حظ، وليس بالضرورة أن تكون قصة نجاح، بل يمكن أيضا أن تكون من قصص الفشل أو القصص المخزية كما يحدث في مذكرات بعض السجناء من المجرمين، فالناس تتابع هذه القصص بشغف لأنها تمثل قصة حقيقة فيها الكثير من دراما الحياة التي يكتفي القارئ بمعرفتها قراءة لا بتجربتها فعلا. والشهرة تساعد كثيرا في بيع الكتاب، ولكنها قد تأتي بعد كتابة الكتاب لا قبله، فيصبح الكاتب مشهورا بعد ظهور كتابه، كما يحدث في حالات كتب التجارب الشخصية، والمحن والمغامرات، فبعض كتب السيرة الذاتية يكتبها البعض لتجربة شخصية صعبة مر بها، ولكنها تستحق الكتابة عنها، ومشاركة القراء بتجربة الكاتب العنيفة أو المخيفة أو النافعة. فكتب المغامرات سواء الخطرة أو المغامرات الاستكشافية لها طعم خاص يستلذ به كثير من القراء الذين يرون في هذه المغامرات إشباعات نفسية لهم. ثالثا : يجب ان تبقى الصورة المعروفة عند القراء بدون تغيير، فالشخص المحبوب يجب ان يحافظ على المحبة وعلى الصورة التي يحتفظ بها الناس عنه، وقد فشلت كتب سيرة كثيرة، على الرغم من أن ظروف نجاح الكتاب كانت مهيأة جدا لذلك، مثل مذكرات لاعب كرة الركبي المشهور( ول كالرنغ Will CARLING ) والمحبوب الذي يمثل نموذج العائلة الرياضية في بريطانيا، وكتب مذكراته التي توقع لها النقاد النجاح الكبير، وطبعت هذه المذكرات، ولكن الإقبال عليها كان ضعيفا جدا، وفشل الناشر في ترويج كتاب مذكراته، بسبب أنه انفصل عن زوجته وترك ابنته، ليعيش مع فتاة أخرى، وأساء هذا الانفصال للصورة الحسنة التي يعرفه بها الناس. وتعلق إحدى السيدات على رفضها شراء الكتاب قائلة : من هذا القبيح الذي أريد أن أعرف عنه أكثر مما فعل ؟. رابعا : هناك تحذير من أن كتب السير التي تتحدث عن الغنى بعد الفقر، أو الطفولة التعيسة، لا تلاقي الإقبال المرجو لها، وقد كانت هذه الكتب هي من أكثر الكتب رواجا، ولكنها الآن أصبحت لا تجتذب القراء. فالاتجاه نحو السير التي تعطي القارئ حافزا على النجاح أو ان تكون حياة مميزة لتكون قدوة حسنة لمن يقرؤها، هي أكثر قبولا على القراءة من سيرة إنسان فقير، وكيف كانت حياته، وتحصل على المال وكيف تغيرت حياته، فالمال وإن كان عاملا مهما في هذه الحياة إلا ان طريقة الحصول عليه هي العامل الهام في التحفيز، وليس نتيجة السعادة التي يحققها المال بعد الحصول عليه. من يقرأ كتب السيرة الذاتية؟ كتب السيرة الذاتية تهم أصحاب المهن المشابهة أو الحرف أو الهوايات، فعندما تكتب مديرة إحدى المدارس الثانوية مذكراتها عن حياتها في المدرسة مع عفاريت القرن، فإن كثيرا من المدرسات والمدرسين والإداريين سيشترون هذا الكتاب، على الرغم من أنه سيرة ذاتية. كما أن عشاق فن معين أو علم أو هواية يهتمون بسير وتراجم حياة أمثالهم، ليروا أين النجاح وأين الفشل في حياة أمثالهم. كثير من أصحاب الهوايات أو الحرف ذات العلاقة بالجمهور مثل المطربين، والرياضيين يبنون علاقات قوية مع المعجبين بهم، فيردون على رسائلهم ويرسلون لهم صورهم، ولا يمانعون من الحديث معهم في الهاتف، وهؤلاء المعجبون عادة يكونون زبائن لكتبهم ومذكراتهم? فلاعب الكرة عندما ينشر مذكراته يتوقع أن هناك آلافا سيقرؤون كتابه ممن شاهدوا لعبه وحضروا إلى الملعب ليستمتعوا بلعبه. وكانت كتب السيرة الذاتية وتراجم الحياة توجه غالبا إلى السيدات، فهن الأكثرية التي تشتري هذه الكتب، ولكن الدراسة تقول إن الرجال، وخاصة الطبقة الوسطى والموظفين، أصبحوا أكثر اهتماما بكتب السير والتراجم، ويجب توجيه الكتب لهم، أي أن تكون اهتمامات الكاتب عندما يكتب مذكراته موجهة لهذه الفئة، وأن يكون الحديث لهم ، فهم أكثر الزبائن المرتقبين. ???