استثمار الأوقات فـي بنـاء الطـاقات..كيف؟!

الفرق بين من يعملون ومن لايعملون، أن الذين يعملون يستمتعون بحياتهم أكثر ويرون ما فيها من جمال وقيم، ذلك أن العمل بذاته قيمة جمالية رفيعة وركن أخلاقي متين ومتعة ذهنية وبدنية نبيلة. وكلما أتقن الإنسان عمله، وكلما أضاف إنجازا إلى رصيد إنجازاته شعر بنشوة تملأ وجدانه وأحاسيسه ومشاعره، بل تحفزه إلى مستوى أعلى من البذل والعمل. فإذا ما حان وقت راحة أو استمتاع وجد أن الحيز المتاح لهذا الجانب جدير بأن يستثمر أفضل استثمار وأن يمارس خير ممارسة، حتى إنه يخطط له ويضع له الحدود والمقاييس العالية لتحقيق أفضل عائد استمتاع ممكن، لأنه قد وطن نفسه على أن يفكر جيدا ويخطط جيدا ليحصل على نتائج جيدة وعلى عوائد مجزية. إن تعويد النفس تناول أمور الحياة بالجدية المطلوبة قد يبدو أمرا شاقا ومزعجا لدى البعض- وقد يكون كذلك في بداية الأمر- لكنه سرعان ما يتحول إلى نمطية في الحد الأدنى وإلى مصدر للسعادة والمتعة والشعور بالرضا، كلما كان هناك تفاعل مع ما يباشر من شؤون الحياة واستشعار أنه يسهم في المسيرة الإنسانية الضاربة في أعماق الزمان وفي أنحاء المكان. وإذا لم يكن هنالك بد من أن يعمل الإنسان، فلماذا لا يسعى - طالما أن الجهد مبذول والمشقة قائمة- في أن يتقن ويتميز وأن يكون في أدائه وإنجازه صاعدا لا هابطا، يستشرف القمم لا الأغوار، والهضاب لا الوهاد، متمثلا قول أبي القاسم الشابي: ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر وكلما كان الارتقاء متقنا كان الاستمتاع بما يشاهده الصاعد من جماليات تحيط به أروع وأجمل، ورغب في مكان يحقق له مناظر أفضل، وتلك من سنن الحياة. ومن أولى ثمرات الانضباط والجدية في الأعمال، حسن تنظيم الأوقات ومعرفة فضل كل منها، فالليل للسكون والراحة والاستعداد ليوم جديد حافل بالعطاء والبذل، والنهار للعمل والمنافسة والسير في مناكب الأرض تحقيقا لقيمة إنسانية رفيعة تحقق للناس سعادة في معاشهم ومعادهم كلما أخلصوا لله في سكونهم وحركتهم ومنامهم ويقظتهم. قل أن تجد ناجحا في أعماله منجزا لأهدافه يختلط عليه الليل والنهار، واليقظة والمنام، والجد والهزل، بل لكل دقيقة مكانها ولكل حركة حسابها، لأنه يدرك جيدا أن تحقيق الهدف يحتاج إلى صفاء ذهن وراحة بدن، وذلك لا يكون إلا بتنظيم الوقت الذي هو بطبيعته إلى انقضاء، ومحاولة اللحاق به وإمساكه ضرب من المستحيل، فليس أحسن من استثمار ما أتيح منه أفضل استثمار. حينما نعرف أن الوقت الحاضر لا يمكن أن يعود، والقادم لا يمكن ضمان تحصيله، نعرف أيضا أن علينا أن نحسن التعامل معه بأعلى قدر من الهمة والحكمة والحماس، وأن نعلم أيضا أن أمانة استثمار أوقاتنا ليست قضية فردية شخصية، بل هي قضية تهم المجتمع كله وتستحق أن يتناولها المجتمع كله.