المعادلة الصعبة : الحياة الاجتماعية وساعات ا

بعد سبعة عشر عاما كرسها لمهنة التدريس قرر بول ماكميلان أن الوقت قد حان لتغيير مهنته. وبناء على ذلك تخلى بول عن وظيفته كمدرس في إحدى المدارس الكبرى، حيث كان دخله السنوي الآمن يصل إلى 33 ألف جنيه استرليني، ليصبح بعد ذلك سائق قطار. وعلى الرغم من أن مهنة بول الجديدة، سائق قطار، ستمنحه راتبا أوليا قدره عشرة آلاف جنيه استرليني سنويا، وهو الأمر الذي يعني انخفاضا عن راتبه السابق بأكثر من عشرين ألف جنيه استرليني سنويا، إلا أن بول ماكميلان يؤكد أن استعادة حياته مرة أخرى أمر يستحق هذه التضحية الهائلة والخسارة الفادحة. ويعتقد بول، الذي كان يعمل في وظيفة مدرس تصميم وتقنية تكنولوجيا سابقا، أن مهنة التدريس لم تعد الوظيفة التي كانت عليها من قبل. ويذكر بول كيف اتخذ قراره الخطير فيقول عدت ذات يوم للبيت قادما من المدرسة منهكا ومتعبا للغاية، فبادرتني ابنتي بالطلب الآتي: أبي، اترك مهنة التدريس قبل أن تقتلك. فكان طلبها بمنزلة قرار لي، فحينما يعبر أطفالك لك عن أمر ما، يصعب عليك تجاهله. ويواصل بول حكايته فيقول فيما مضى كنت إنسانا سريع الغضب وفظا، والآن أشعر أني استعدت حياتي من جديد. وقد لاحظ كل امرئ ذلك التغيير في سلوكي. أشعر الآن أني سعيد، ولم أعد كما كنت باستمرار متوترا ومتعبا. وقد ترك ماكميلان- البالغ من العمر 43 عاما والحاصل على درجة علمية في التربية البدنية، والدراسات الدينية وشهادة التأهيل في التدريس- وظيفته في مدرسة روتليش للبنين في بلدة ميرتون، جنوب غرب لندن، والتي ضمت يوما ما بين جدرانها الطالب جون ميجور رئيس وزراء بريطانيا السابق. وقد ترك ماكميلان وظيفته في شهر يوليو 1999م ، وقضى باقي أشهر الصيف باحثا عن وظيفة أخرى، خصوصا أنه لم يحدد حتى تلك اللحظة ماذا سيعمل. وقد عمل في وظيفة سائق سيارة أجرة ليفي بمتطلبات الحياة. ويقص ماكميلان طبيعة الأيام حينما كان يعمل مدرسا فيقول: كنت أخرج من عملي مدرسا، كل يوم مصابا بشعور هائل من الإحباط؛ لأن الطلاب لا يستفيدون بقدر طيب من النظام التعليمي القائم. لقد أصبح التعليم بمنزلة كرة قدم سياسية. فقد شهد على مدى السنوات القليلة الماضية كثيرا من التغييرات، بحيث لم يعد هناك أي نوع من الاستقرار، وهذا بالطبع ليس خطأ الطلاب وليس ذنبهم.. والواقع أنني سأفتقد طلابي، لكن هذه ضريبة ضئيلة علي أن أدفعها في مقابل الحصول على السعادة والتمتع بحياة طبيعية. إنني بكل تأكيد لن أفتقد وظيفتي مدرسا، لأنني أشعر الآن أنني استعدت احترامي لذاتي. وقد صرح ماكميلان بأن دوامه الأسبوعي في المدرسة كان يصل إلى ستين ساعة عمل، أما عمله سائق قطار فسيصل إلى 43 ساعة عمل أسبوعيا، وسيرتفع راتبه بانتظام حتى يصل إلى نحو 28.500 جنيه استرليني في خلال عامين من بداية عمله، وسيظل هذا المبلغ المستهدف أقل مما كان يحصل عليه وهو مدرس رغم كل هذا. ويضيف ماكميلان أن زوجته جاكي تدرس في مدرسة مستقلة وتؤيد تماما ما أقدمت عليه. وقد كان لزاما علينا أن نشد الحزام قليلا- أي نتقشف في المصروفات - ولكننا سنكون رغم ذلك على ما يرام. ويذكر ماكميلان أن المستشارين المهنيين نصحوني بالعمل في مجال الكمبيوتر بسبب خلفيتي التقنية التكنولوجية التي أتمتع بها، لكنني كنت أرغب في تغييرمساري تماما. بعد ذلك رأت زوجتي جاكي إعلانا في إحدى الصحف عن الحاجة إلى سائقي قطارات، وعلى الفور قررت أن هذه الوظيفة قد خلقت من أجلي.. فهي تعني قبل كل شيء أنني سأعمل في دوام نظامي حساس، وأنه سيتاح لي المكوث مع ابنتي لوسي، البالغة من العمر 11 عاما، واليكس، البالغة من العمر 14 عاما. أما قبل ذلك، فلم يكن لدي وقت لمساعدتهما في واجباتهما المنزلية. والآن سيتغير كل هذا. ويعتبر بول ماكميلان واحدا من بين آلاف المدرسين المصابين بخيبة أمل والذين يتركون المهنة كل عام ويهجرونها بسبب الضغط والإجهاد، ووطأة العمل. وقد أنشئ- مؤخرا- خط هاتفي ساخن لمساعدة ونصح 18 ألف مدرس تقريبا ممن يعانون الضغط والأمراض ذات الصلة بالعمل في مجال التدريس. وصرح نيجيل دي جروشي -الأمين العام للاتحاد القومي لنقابات المعلمين، والتي يعتبر ماكميلان أحد أعضائها- بأن حالة ماكميلان تستحق ألف خطبة وخطبة، فمشكلات البيروقراطية المستمرة والتغييرات الحادثة في المدارس تدفع المدرسين إما للجنون وإما لترك المهنة. وفي هذا الصدد أصر وزير التعليم البريطاني، ديفيد بلانكيت على أنه سيمضي قدما في مشروعاته الرامية لربط الأجور بأداء المعلمين في مدارسهم. وكشف الوزير أيضا النقاب عن الخطط الهادفة لتقديم منحة ترحيب ذهبية قدرها خمسة آلاف جنيه استرليني للمدرسين المتدربين الذين يوافقون على برامج التدريب الذي يساعد على سرعة وحركة العمل والمسمى بـ فاست تراك.