من أجل شخصية ناجحة:حدد الهدف!

يعتبر تطوير عادة (تحديد الهدف) مهارة إنسانية ثمينة تجعل الإنسان دوما أمام المسؤوليات والواجبات التي اختار أن يحققها لنفسه. إنها تعبير عن الإمساك بزمام المبادرة في الحياة الشخصية بحيث نستطيع، بعد الاعتماد على الله سبحانه وتعالى والتوكل عليه، أن نتحكم في حاضرنا ونرسم خارطة مستقبلنا بقدر ما يمكننا جهدنا البشري. والواقع أن الإنسان، كما خلقه الله، كائن تسيره أهداف ولا يمكن أن يعيش حياته بدون أهداف محددة، ولكن ما هذه الأهداف التي تسير حياته؟ هل فكر فيها؟ هل وضعها بنفسه أم وضعها الآخرون؟ هل هو مستوعب لنتائج هذه الأهداف؟ هل الأهداف تتمشى مع رسالته في الحياة؟ إلى أين ستقوده هذه الأهداف؟ وما نتائجها الإيجابية ونتائجها السلبية على حياته؟... إلخ. ونهدف هنا بالتحديد إلى تعريفك على هذه العادة الثمينة تحديد أهدافك الشخصية في الحياة. كما نحاول إثارة الاهتمام بهذه الأسئلة والمساعدة على الإجابة عن بعضها والتفكير في بعضها الآخر. ما الهـــدف؟ الهدف هو الأمر الذي يرغب الإنسان في تحقيقه وإنجازه. وقد يكون الهدف عاما غير واضح المعالم، أو خاصا محددا، معنويا غير محسوس، أو ماديا محسوسا، كبيرا أو صغيرا، نافعا أو ضارا أو في منزلة بين المنزلتين. وتعتمد الأهداف المطلوب تحقيقها على المكانة التي يضع الشخص نفسه فيها وطموحه وقدراته واهتماماته وتربيته والطريقة التي يفكر فيها. ومن الأمثلة على الأهداف التالي: -1 الحصول عل الترقية. -2 بناء منزل خاص. -3 شراء سيارة. -4 دراسة الطب. -5 توثيق الصلة بالله سبحانه وتعالى. -6 حفظ القرآن. -7 الحصول على درجة الماجستير. -8 توفير خمسمائة ألف ريال. -9 المحافظة على الصلوات المفروضة في وقتها. -10 صوم يوم الخميس من كل أسبوع. -11 قراءة كتاب في الشهر. -12 أداء عمرة في رمضان. -13 قضاء الإجازة مع الأسرة. وكما هو واضح من هذه الأهداف بعضها عام مثل توثيق الصلة بالله سبحانه وتعالى وبعضها خاص مثل صوم يوم الخميس من كل أسبوع وبعضها معنوي مثل الحصول على الترقية والمحافظة على الصلوات، والبعض الآخر مادي محسوس مثل: شراء سيارة وبناء منزل خاص. ومن هذه الأهداف كذلك ما هو كبير مثل دراسة الطب والحصول على درجة الماجستير، وما هو صغير مثل قضاء الإجازة مع الأسرة. وقد يشترك الهدف أحيانا في أكثر من سمة فيكون كبيرا عاما، أو صغيرا محددا، أو عاما محددا، أو معنويا غير واضح المعالم. أنواع الأهداف من حيث المصدر: لقد درست موضوع الأهداف في حياة الإنسان منذ سنوات طويلة، وابتدعت بعض التصنيفات الشيقة التي تسهل دراستها وتحديدها وتوضيحها، كما تأملت الفروق بين الأهداف وأهمية كل صنف مقارنة بالأهداف الأخرى. فمن حيث المصدر الذي جاء منه الهدف هناك ثلاثة مصادر رئيسة: -1 خالق الكون ورب العباد، ومن هذا المصدر العظيم تأتي الأهداف الإلهية التي وضعها الله سبحانه وتعالى لخلقه وتنبثق جميع هذه الأهداف الإلهية من العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى. فقد تكفل ربنا عز وجل بوضع الأهداف التي تحكم حياة البشر وتضبط مساراتها، فحدد الهدف من الخلق ومعايير الاستخلاف وعمارة الأرض، وبين المناهج والطرق والوسائل التي تقود إلى تحقيق هذه الأهداف. وجاءت هذه الأهداف والوسائل في الوحي الذي أنزل في الكتب السماوية التي أرسلها سبحانه وتعالى إلى البشر على مدار التاريخ. وقد جاء القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة لتتمم هذه الأهداف وتحكم ما فقد أو حرف فيها من حلقات. ومن ثم ليس هناك دين أو كتاب سماوي في يومنا الحاضر وفي مستقبل البشرية حتى قيام الساعة يحمل أهداف العبودية الحقة والاستخلاف الصحيح وما يتبع ذلك من مناهج وطرائق مثل القرآن الكريم والسنة الصحيحة للنبي محمد ص. -2 المجتمع، ومن هذا المصدر تأتي الأهداف الاجتماعية التي يرغب المجتمع الإنساني في أي مكان وزمان في وضعها وتحديدها وتحقيقها للوفاء بحاجاته وتطلعاته المختلفة، السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وفي المجتمع المسلم لابد أن تعكس الأهداف الاجتماعية الأهداف الإلهية وتكون الأولى معبرة عن الثانية، وألا يكون هناك تناقض بين النوعين من الأهداف، بل يجب أن تكون الأهداف الاجتماعية موجهة لتحقيق الدين وعمارة الأرض. وفي هذا السياق عند الحديث عن المجتمع يشمل ذلك أيضا وحداته المتنوعة مثل الدولة والأسرة والهيئة والشركة والأصدقاء والزملاء... إلخ، أو ما يمكن أن نسميه البيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد. فكل هذه الوحدات يمكن أن نسمي الأهداف التي تضعها لنفسها ولمنسوبيها أهدافا اجتماعية. -3 الفرد، ومن هذا المصدر تأتي الأهداف الشخصية التي يرغب الشخص في وضعها وتحديدها وتحقيقها للوفاء بحاجاته واهتماماته وتطلعاته المختلفة: الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية. ولابد أن يكون هناك انسجام تام في حياة المسلم بين هذه المستويات الثلاثة من الأهداف وألا يكون بينها تعارض أو تضاد. وفيما يلي أمثلة لبعض الأهداف الإلهية وما ينبثق عنها من أهداف اجتماعية وشخصية. وسأكتفي بإيراد هدف واحد في كل نوع من الأنواع الثلاثة. وفي الواقع الأمر يختلف كثيرا في الحياة العملية، حيث ينبثق من الهدف الإلهي مجموعة من الأهداف الاجتماعية، وينبثق من الأخيرة مجموعة أكبر من الأهداف الشخصية. ولكنني سأكتفي بذكر هدف واحد في كل نوع للاختصار. المثال الأول: الهدف الإلهي: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم. الهدف الاجتماعي: إنشاء نظام أو هيئة لتحصيل الزكاة من مصارفها الشرعية. الهدف الشخصي: دفع الزكاة إلى الهيئة المسؤولة عن ذلك. المثال الثاني: الهدف الإلهي: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. الهدف الاجتماعي: إشاعة التدين وبناء الحياة الاجتماعية ومؤسساتها في ضوء قيم الإسلام وتحقيق تعاليمه. الهدف الشخصي: الالتزام بالدين في جوانب الحياة كافة. المثال الثالث: الهدف الإلهي: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. الهدف الاجتماعي: بناء الحياة الاقتصادية ومؤسساتها بعيدا عن الربا. الهدف الشخصي: اجتناب الربا والنفور منه في التعامل الاقتصادي. هذا وتجدر الإشارة هنا إلى قضية مهمة هي أن المستويات في الأهداف متتالية ومرتبطة مع بعضها البعض، والسياق الطبيعي لها أن يوجد المجتمع الذي يحقق بدوره الأهداف الإلهية عن طريق ما يضع من أهداف اجتماعية. ولكن هذا لا يعني إغفال الارتباط المباشر بين الأهداف الشخصية للفرد والأهداف الإلهية دون المرور على الأهداف الاجتماعية. حيث يضطر المسلم في بعض البيئات الاجتماعية إلى إهمال بعض الأهداف الاجتماعية التي لا تبنى على الأهداف الإلهية. وفي بعض الأحيان قد لا ترتبط الأهداف الاجتماعية البتة بالأهداف الإلهية، وفي هذه الحالة يكون الارتباط مباشرا بين الأهداف الشخصية والإلهية. وتصبح علاقة المسلم بتطبيق توجيهات ربه علاقة مباشرة فيتلقى القيم والتوجيه والأوامر فيطبقها على مستوى فردي. الأهداف الشخصية والأدوار أشرنا في الصفحات السابقة إلى الهدف الرئيس من الحياة (عبادة الله وعمارة الأرض) وأوضحنا كيف يتحول هذا الهدف الرئيس إلى أهداف ثانوية كثيرة، تتحول بدورها إلى أهداف اجتماعية وأهداف شخصية. ونركز الآن على الأهداف الشخصية ونسأل: -1 ما مصدر الأهداف الشخصية في حياة الإنسان؟ -2 وكيف يمكن تحديد هذه الأهداف؟ أما مصادر الأهداف الشخصية فهي أدوار الإنسان في هذه الحياة وما ينتج عنها من مسؤوليات (منبثقة من الأهداف الإلهية والاجتماعية) بالإضافة إلى حاجاته الفردية ورغباته وميوله. أما الكيفية التي يمكن بها تحديد الأهداف الشخصية فهذا يتم عن طريق دراسة أدوار الإنسان ومسؤولياته في الحياة. من الأمور المسلم بها أن لكل واحد منا أدوارا محددة في هذه الحياة، ومسؤوليات تنبثق من هذه الأدوار. وتختلف الأدوار باختلاف العمر، والحالة الاجتماعية، والتعليم وظروف الحياة. فقد تكون أبا وزوجا وموظفا حكوميا، وقد يكون غيرك طالبا أعزب يمارس التجارة في المساء، وقد يكون الآخر عامل بناء بالأجر اليومي وأبا وزوجا، وقد تكون الأخرى أما وربة منزل وعاملة... إلخ، مما يمكن تصوره من أدوار الحياة المختلفة. هذه الأدوار تنبثق منها مسؤوليات واهتمامات وحاجات تمثل جوهر الأهداف الشخصية. الكثير منا وضعته ظروف الحياة في أدوار معينة، وقد يعرف أدواره في هذه الحياة جيدا، وقد لا يعيها تمام الوعي، وربما وجد نفسه في هذه الأدوار بسبب الظروف الاجتماعية، لكنه لم يفكر يوما من الأيام في استيعاب هذه الأدوار ومعرفة ما ينتج عنها من مسؤوليات، كما أنه لم يفكر بطريقة منظمة في كيفية وضع الأهداف الشخصية وتحديدها لخدمة هذه الأدوار. إن هذه المعرفة للأدوار والمهارة في تحويلها إلى أهداف شخصية يمكن تحديدها ومتابعتها وتحقيقها أمر على غاية كبيرة من الأهمية. لماذا؟ لأننا عندما نفعل ذلك سيساعدنا بالتأكيد في الآتي: -1 تحديد مسؤولياتنا وواجباتنا في الحياة. -2 القيام بهذه المسؤوليات والواجبات على أكمل وجه. -3 تحديد الأولويات والأمور المهمة والعاجلة. -4 التميز والإنجاز والإتقان في أعمالنا. -5 الوصول إلى السعادة والنجاح في حياتنا بإذن الله. ولتوضيح موضوع الأدوار وعلاقته بالأهداف الشخصية تخيل نفسك وقد وضعت لحياتك الشخصية الدائرة التالية من الأدوار: دائرة الأدوار الشخصية. مركز الدائرة يمثل الهدف الرئيس من الحياة (العبودية) وينطلق منه ثلاثة مجالات كبيرة للحقوق الكلية هي: حقوق الله سبحانه وتعالى، وحقوق العباد، وحقوق النفس. وتمثل هذه الحقوق الثلاثة المسؤوليات والواجبات المطلوبة في حياة الإنسان، وينبثق من هذه الحقوق جميع الأدوار للحياة الشخصية. ومن هذه الأدوار نحدد أهدافنا الشخصية. لاحظ الأمور التالية في دائرة الأدوار التي وضعتها: - جميع الأدوار لابد أن تكون إما منطلقة من مركز الدائرة، وإما منسجمة معه. - في الدائرة هناك دائما ثبات في منطقتين: منطقة مركز الدائرة، ومنطقة الحقوق الكلية، ولكن الأدوار مختلفة. - الأدوار التي تم وضعها نسبية تختلف من شخص إلى آخر. - وضع (أخرى) كدور من الأدوار يتيح المجال لاختلاف الاهتمامات، ويوضح الطبيعة المرنة للأدوار. الأدوار جاءت في الدائرة منفصلة وفي خانات محددة ولكن واقع الأمر هو أن الأدوار غالبا ما تكون متداخلة ويصعب فصل بعضها عن بعض. لنرجع للدائرة مرة أخرى ونأخذ بعض الأدوار ونستقي منها مجموعة من الأهداف الشخصية. الدور: التوحيد (موحدا لله). بعض الأهداف الشخصية: - الإيمان بالله فردا صمدا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. - عدم الإشراك بالله سبحانه وتعالى. - عدم صرف أي نوع من العبادة لغير الله سبحانه وتعالى. الدور: الصلاة (مصليا لله). بعض الأهداف الشخصية: - المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها في جماعة. - تأدية ما يمكن من صلاة النفل. - اصطحاب الأبناء لأداء الصلاة. الــــــدور: زوج. بعض الأهداف الشخصية: - رعاية مسؤولية الأمانة في الحياة الزوجية. - احترام شريكة العمر وتقديرها ومعاملتها بالحسنى. - مساعدة شريكة العمر على التعلم وارتفاع مستوى الإيمان. - شراء هدية لزوجتي كل عام. الدور: العمل (عاملا في شركة). بعض الأهداف الشخصية: - الإخلاص في عملي. - القيام بالمسؤوليات والواجبات التي أكلف بها بصدر رحب. - الدقــة والإتقــان في تنفيذ واجباتي. - توفير الاحترام لرؤسائي ومرؤوسي. - المبادرة وتقديم الأفكار الجديدة لتطوير العمل. الدور: الملكية (مالكا لما أحتاج). بعض الأهداف الشخصية: - امتلاك منزل خاص. - امتلاك سيارة خاصة. - امتلاك مجموعة من الأسهم. الدور: الصحة. بعض الأهداف الشخصية: - الاهتمام بالغذاء. - ممارسة الرياضة. - توفير الراحة العقلية والجسمية وعدم الإرهاق. وقس على ذلك الأدوار الأخرى في حياتك وما يمكن أن ينبثق منها من أهداف شخصية. وتذكر وأنت تحلل أدوارك وتضع لها الأهداف المناسبة قضية مهمة يغفل عنها الكثيرون. تذكر أن الدور في حياة الإنسان أمر نسبي ومطلب نظري، ويحتوي على العديد من الأمور الإيجابية والسلبية. ويتحقق الدور بفاعلية قصوى بقدر ما نحقق من أهداف شخصية تقع في إطاره. فقد تكون زوجا ولكنك لا تقوم بواجباتك الزوجية كما يجب، وقد تكون أبا ولكنك لا ترعى مسؤولية الأبوة بإهمالك أولادك. وقد تكون لديك رغبة شديدة في المحافظة على صحتك ولكنك كسول ومفرط في الأكل وترهق نفسك بالملذات... إلخ. لذلك تذكر أن هناك فرقا بين الأماني وبين الأهداف. الأمنية هي هدف عام يرغب الإنسان في تحقيقه، ولكنه لا يضع برنامجا عمليا لتنفيذ ذلك. أما الهدف فهو أمر يتم التخطيط لتنفيذه ويوضع التخطيط في برنامج عملي يتم تنفيذه حتى يحصل المقصود. بالإضافة إلى ذلك تذكر أن بعض الناس، بوعي وبلا وعي، قد يضعون لأنفسهم أهدافا ضارة، وقد يضعها لهم الآخرون أو تجبرهم ظروف الحياة على ذلك، وهذا بالتأكيد سيتعارض مع الاتجاه الصحيح وينتهي بإفساد الحياة، وربما جلب الأمر على صاحبه الخسارة في الدنيا والآخرة. وهناك البعض يضع لنفسه أهدافا شخصية ولكنها إما غامضة أو تافهة. الهدف الغامض هو الذي يجعلك تدور في حلقة مفرغة، ولا ترى أنك تحقق شيئا يذكر، ويؤدي في نهاية المطاف إلى بعثرة جهودك وتضييع وقتك. أما الهدف التافه فهو هدف يمكن تحقيقه، وقد يكسبك ذلك متعة كبيرة وبعض الشعور الزائف بالإنجاز، ولكنه في النهاية هدف لا يبرر ما بذل في سبيله من الوقت والجهد وما بدد في تحقيقه من طاقات ثمينة. لذلك في سعينا من أجل أهدافنا الشخصية لابد أن نكون على درجة عالية من الوعي والإدراك والاهتمام، ونختار الأهداف العالية الطموح التي تتسم بالفائدة والوضوح. أنواع الأهداف هناك ثلاثة أنواع من الأهداف: عامة ومرحلية وإجرائية. ولنأخذ، على سبيل المثال، الهدف عدم صرف أي نوع من العبادة لغير الله سبحانه وتعالى. ولتوضيح ذلك نرجع قليلا إلى الأهداف الشخصية التي تم تحديدها بناء على الأدوار المختلفة، ماذا يمكن أن نقول عن هذا الهدف. إنه بلاشك هدف متعدد الجوانب واسع المتطلبات، ويدخل فيه الكثير من المسؤوليات والواجبات والمهام لذلك فهو هدف عام... ولتطبيق هذا الهدف العام لابد من تحويله إلى أهداف أكثر تحديدا مثل عدم التوسل بالصالحين، عدم التبرك بالقبور، عدم الحلف بغير الله إلى غير ذلك من الأهداف المحددة الإجرائية التي تحول الهدف العام إلى سلوكيات معينة. ولنأخذ هدفا آخر المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها في جماعة وهذا بدوره هدف عام ويمكن تحويله إلى مجموعة من الأهداف الإجرائية السلوكية مثل الذهاب إلى المسجد حال سماع الأذان، ترك أي عمل عند سماع الأذان، الوضوء قبل سماع الأذان... إلخ. ولنأخذ هدفا آخر احترام شريكة العمر وتقديرها ومعاملتها بالحسنى، وهو هدف عام ويمكن تحويله إلى الأهداف الإجرائية التالية: استعمال الألفاظ والعبارات الحسنة عند الخطاب، استعمال المديح والإطراء عندما أرى منها أمرا سارا، تجنب الانفعال والغضب ولزوم السكينة والهدوء في المواقف الصعبة، إلى غير ذلك من الأهداف الإجرائية السلوكية. وهدف عام آخر: امتلاك منزل خاص، لابد لتحقيقه من تحويله إلى أهداف إجرائية محددة مثل: توفير نصف دخلي لعامين، استعمال برنامج شركة تقسيط، بيع جميع ما أملك من أسهم... إلخ من الأهداف الإجرائية. ما هو الهدف العام؟ هو تعبير عن رغبة أو نية أو أمنية أو قناعة نظرية. ما هو الهدف الإجرائي؟ هو عمل معين أو إجراء سلوكي يمكن تحديده وأداؤه وملاحظته وقياسه. ولتوضيح مجمل الصورة بالنسبة للأهداف لابد من التعرف على النوع الثالث من الأهداف: الأهداف المرحلية. ما المقصود بالأهداف المرحلية؟ الهدف المرحلي باختصار هدف يأتي بين الهدف العام والهدف الإجرائي. ويأتي الهدف المرحلي عادة في سياق وله علاقة بالزمن أو الأولويات، أو الخطوات الضرورية التي لابد من تتابعها. ولنأخذ أحد الأمثلة السابقة لتوضيح ذلك الهدف: امتلاك منزل خاص قد يحتاج إلى عدة سنوات لتحقيقه، وفي غضون هذه السنوات هناك الأهداف الإجرائية التي قلنا إنها تؤدي إلى تحقيقه، ولكن هذه الأهداف لابد لها من تتابع في برنامج زمني إذ توفير نصف دخلي لعامين هدف أخذ عامين لتحقيقه ولكنه لم يؤد مباشرة إلى تحقيق هدف امتلاك المنزل؛ لأن السيولة لا تكفي لذلك، فهذا هدف مرحلي. وكذلك الهدف بيع جميع ما أملك من أسهم سيزيد من السيولة المتوفرة؛ لأنه هدف اعتمد على هدف قبله وهدف بعده، ومن ثم يعتبر مرحليا... إلخ، وبعبارة أخرى: الأهداف العامة الكبيرة والطموح تحتاج إلى أهداف مرحلية، والأخيرة بدورها لا يمكن تحقيقها دون أهداف إجرائية. ونقدم هنا بعض النصائح المفيدة: -1 تعلم عند وضع وتحديد الأهداف التفريق بين الأهداف العامة والغامضة التي تجعلك تدور في حلقة مفرغة وبين الأهداف الواضحة المحددة التي يمكن تحقيقها. -2 اجعل لنفسك هدفا عاليا في حياتك وحاول الوصول إليه. -3 تعلم التفريق بين الهدف والأمنية. الهدف أمر تحدده وتعمل من أجله، وتضع له الخطط والمراحل لتحقيقه، أما الأمنية فأمر مختلف. -4 حقق أهدافك العالية الكبيرة عن طريق تحويلها إلى أهداف مرحلية أصغر، واعمل على تحقيق الأخيرة تباعا. -5 اختر الأهداف التي تنفع بها نفسك وغيرك من الناس. تحديد الأهداف الشخصية إن الإنسان بطبيعته كما ذكرنا، مخلوق توجهه أهداف معينة، وعندما يفتقد هذه الأهداف تصبح حياته بلا معنى. وحين يخبرك شخص ما بأنه يشعر أن حياته عديمة الجدوى، فإن ذلك يعني على وجه التحديد أنه لا توجد لديه مشكلات ليحلها ولا معوقات ليتغلب عليها، ولا حتى أهداف ليحققها. إن تطوير خطة ناجحة لتحقيق الفعالية المطلوبة في الحياة تبدأ بوضع الإنسان أهدافا لنفسه. وتشير الدراسات والمشاهدات إلى ارتفاع نسبة التردي الصحي والوفيات بعد سن التقاعد. إذ إنه من الطبيعي أن يشعر الإنسان بعد أربعين إلى خمسين سنة من العمل في وظيفة أو مهنة ووصوله سن التقاعد أنه قد تجرد من الإحساس بهدفه وقيمته. ويبدو أن الكثير منا لا يعد مسبقا الإعداد السليم لهذه المرحلة، ومن ثم فهناك أزمة كبيرة تنتظر الذي يصل سن التقاعد قبل أن يضع له أهدافا يعمل في ضوئها. لقد تقاعدت من عملي في جامعة الملك سعود تقاعدا مبكرا وأنا في الخامسة والأربعين، ولكن تقاعدي جاء بعد ثماني سنين من التخطيط. خطتي كانت تحقيق ثلاثة أهداف عندما أنجزها أكون قد تأهلت للتقاعد، الهدف الأول بناء منزل للأسرة، والهدف الثاني الحصول على الترقية، والهدف الثالث توفير دخل مواز يعين على الحدود الدنيا لأعباء الحياة. وعندما حققت هذه الأهداف تقاعدت مباشرة. وكان مشروع التقاعد في حد ذاته مدفوعا بأهداف كبيرة وضعتها لنفسي ونذرت لها مستقبلي. وأستطيع أن أقول بفضل الله إن قرار تقاعدي المبكر كان أفضل القرارات التي اتخذتها في حياتي حيث بدأت حياة جديدة في الاستشارات والتدريب والنشر... إلخ. من أين تبدأ؟ لكي تحدد الأهداف التي تود تحقيقها، لابد أن تحدد أدوارك في الحياة ثم تقسمها إلى وحدات يمكن إدارتها. ويمكنك أن تعمل ذلك بأن تحضر ثماني بطاقات وتضع أحد العناوين التالية على كل منها: -1 أهداف خاصة بعلاقتك بربك. -2 أهداف أسرية. -3 أهداف خاصة بالمهنة والعمل. -4 أهداف علاقات شخصية. -5 أهداف ترويجية. -6 أهداف النمو الشخصي. -7 أهداف مادية. -8 أهداف المكانة الاجتماعية. ثم خذ كل بطاقة على حدة واكتب على كل منها الأهداف التي ترغب في تحقيقها. ولابد لك هنا أن تتأكد أنك تضع أهدافا لنفسك بنفسك. وهذه نقطة في غاية الأهمية، بل هي أهم نقطة في هذا الموضوع على الإطلاق. ذلك أن الكثير منا يعتقد أن الأهداف التي يضعها الآخرون من حوله هي أهدافه. لا بأس من الاستفادة من آراء الآخرين وخبراتهم، ولكن أهدافك الحقيقية التي يمكن إنجازها هي التي تضعها ومقتنع من أهميتها. إذ إنه من الصعب في هذه الحال أن يضع أهدافك أناس آخرون وتحافظ في الوقت نفسه على استقلالك الشخصي ومقومات شخصيتك. إن تحديدك لأهدافك بنفسك والسعي إلى تحقيقها يعتبر خطوة كبرى نحو تحقيق الذات والحياة ذات المعنى. ولكن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن لا تفعل ما يراه الآخرون أو أن لا تستفيد من خبرات الآخرين في تحديد الأهداف. فمن الممكن أن يؤدي التحدث إلى الزملاء والأصدقاء والأقارب إلى بروز أهداف لم تفكر بها وحدك إلا أن القرار الأخير في تحديد الأهداف شيء يتعلق بك شخصيا. ويعتقد بعض الناس أن عملية وضع الأهداف أمر ممتع ولكنه لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع. ويبرز بعضهم ذلك بسبب كونه كبيرا في السن، أو لأن الأمر جديد عليه، أو لكونه رب أسرة لا يمكنه المجازفة. وفي الواقع، إن كل هذه المبررات ليست سوى مخاوف من احتمالات الفشل ومحاولات للتشبث بالأمن والركون إلى الأمر الواقع. إذا وجدت صعوبة في وضع وتحديد أهدافك في بعض الأدوار فتخيل نفسك بعد خمس سنوات، ما هي رؤيتك لنفسك بعد هذه السنوات؟ ماذا تريد أن تحقق؟ ماذا تتمنى أن تكون؟ افعل ذلك مع كل دور من الأدوار ولا تنس دوما ربط هذا التمرين برسالتك في الحياة. لابد أن تكون هذه الرسالة واضحة في ذهنك الآن، وستساعدك رسالتك في توجيه أهدافك في كل دور من أدوار حياتك الشخصية. وسنورد فيما يلي أمثلة على كل نوع من الأهداف الثمانية التي أوضحناها سابقا: أهداف تتعلق بعلاقاتك مع ربك: - أقرأ صفحة من القرآن كل يوم. - أحفظ آية كل يوم. - أصلي الوتر وأحافظ على الأذكار اليومية. - أعتمر في شهر رمضان المبارك. - أحافظ على الصلوات في أوقاتها. - أدفع زكاة مالي في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك. أهداف أسرية: - أخصص ساعتين في اليوم للجلوس مع أطفالي لتوجيههم ومساعدتهم في واجباتهم الدراسية. - أقوم بشراء هدية لزوجتي في العاشر من شعبان من كل عام. - أنظم لقاء تربويا مع أسرتي في يوم الجمعة من كل أسبوع. - أقرأ مع زوجتي من كتاب في يوم الخميس من كل أسبوع. - أقوم برحلة برية مع أسرتي كل شهر. أهداف وظيفية (مهنية): - أصبح رئيسا للشركة عند سن الأربعين. - أحصل على ترقية هذا العام. - أبحث عن وظيفة أخرى تتناسب بشكل أفضل مع ميولي وقدراتي. - أنتقل إلى مكتب قريب من سكني. - أصبح رجل المبيعات الأول في منطقتي. - أتقاعد تقاعدا مبكرا من عملي الحالي لكي أصبح أستاذا جامعيا. أهداف خاصة بالعلاقات الشخصية: - أحاول الالتقاء بشخص جديد كل يوم. - أحسن علاقتي بشخص بيني وبينه خصومة أو خلاف كل شهر. - أزور أحد طلاب العلم أسبوعيا للاستفادة من علمه. - أنظم دعوة عشاء كل أسبوعين للأقارب. - ألتقي مع الجيران كل شهر. - أكتسب صديقا جديدا كل شهر. - أتعلم طريقة لتذكر الأسماء. أهداف ترويحية: - أذهب في رحلة صيد بحرية كل شهر. - أحصل على رخصة هواة الراديو للتحدث مع الناس حول العالم. - أشتري جيب للرحلات البرية. - أكتب قصة. - أستمتع بغروب الشمس يوما في الأسبوع. - أتفكر في الطبيعة من حولي. أهداف خاصة بنمو الشخصية: - أتعلم كلمة إنجليزية جديدة كل يوم. - أتدرب على مساق في القراءة السريعة. - أتعلم طرق الاستخدام الأفضل لوقتي وطاقتي. - أحضر محاضرة في الشهر حول موضوع لا أعرف عنه إلا القليل. - أتعلم فنون الإدارة وتنظيم الوقت. - أتعلم التحكم في اللسان. - أحضر دورة تدريبية في الحاسب الآلي. أهداف مالية: - أحاول الوصول إلى الاكتفاء الذاتي خلال خمسة أعوام. - أشتري بيتا جديدا بعد سنتين. - أحصل على سيارة الشهر الأول من العام القادم. - أشتري دراجة هوائية. - أحصل على أرض تجارية بعد ثلاث سنوات لغرض بناء عمارة عليها. أهداف اجتماعية: - أنضم متطوعا إلى الجمعية الخيرية في منطقتي. - أتخرج بمرتبة الشرف. - أتطـوع للمشـاركـة في جهود الحملة الوطنية ضد التدخين. - أظهر على شاشة التليفزيون لتعليم الناس. ولابد من الرجوع إلى بطاقات اكتشاف الذات عندما تدون أهدافك، لأنها ستساعدك إلى حد بعيد على تحديد الأهداف، وتعريفك على درجة أهميتها. وتعود أهمية تدوين الأهداف إلى سببين هما: أولا: تساعد كتابة الأهداف على تحديد ما تريده بشكل أوضح. وإذا اكتفيت فقط بالتفكير في هذه الأهداف فإنه يخشى أن تبقى هذه الأفكار مجرد أحلام يقظة. إن كتابة الأهداف تجعل احتمال نسيانها أو ضياعها أقل في بحر روتين العمل اليومي. ثانيا: يساعد تدوين الأهداف على زيادة درجة الالتزام بها، وبالتالي محاولة إنجازها. وعندما تنتهي من تمرين وضع الأهداف فإنك أشبه ما تكون قد انتهيت من كتابة مقالة أو تقرير، إذ تبدأ بأفكار قليلة ثم تأخذ في تنقيحها وتشكيلها وصقلها في كيان متماسك.