د. محمد الصفيان استشاري جراحة وزراعة الكبد: انخفضت

منذ أن تم إجراء أول عملية زراعة للكبد في العالم (عام 1967م بولاية كلورادو الأمريكية) والجدل يدور بشأن هذه العمليات. وقد يكون ذلك بسبب التكلفة المادية الباهظة للعملية الواحدة التي قد تصل في بعض الأحيان إلى نصف مليون دولار، أو بسبب عدم توفر المعلومات لدى رجل الشارع العادي عن هذه المعلومات بشكل كاف مما جعلها محاطة بنوع من الغموض أو عدم الوضوح بالنسبة لعدد كبير من الناس. ومما زاد من حدة هذه التساؤلات المشوبة بالخوف، ما أعلن منذ سنوات عدة عن لجوء جراحي زراعة الكبد إلى فصل كبد بعض المتوفين دماغيا، ثم زراعتها في جسد المرضى الكثر المنتظرين داخل غرف العمليات. على أن نسبة كبيرة من الجراحين في هذا المجال يدافعون بشدة عن هذه الطريقة ويقدمون الأدلة تلو الأخرى التي تثبت وجاهة هذه الطرائق العلاجية. الدكتور محمد بن سعود الصفيان استشاري جراحة وزراعة الكبد في مستشفى الملك فهد للحرس الوطني شارك في حوالي تسعين حالة زراعة كبد ما بين جراح ومساعد أول، كما قام بإجراء ست عمليات لزراعة الأمعاء وحالتي زراعة أحشاء كلية، وقد شارك منذ عودته إلى المملكة في سنة 1998 في إجراء 12 حالة زراعة كبد. حملنا التساؤلات الكثيرة التي تدور حول عمليات زراعة الكبد في المملكة والعالم ووضعناها أمام الدكتور محمد الصفيان، وكانت إجاباته عنها على هذا النحو: - دعونا في البداية نلقي الضوء قليلا على مرض الكبد في المملكة، فرغم أنه لا يوجد لدي أرقام دقيقة عن مدى تفشي هذا المرض في مجتمعنا، ولكن لاحظت أنه من الأمراض الشائعة عندنا، فنحن نستقبل في قسم جراحة وزراعة الكبد في مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني يوميا ما معدله بين 5 إلى 8 حالات استشارة كبدية من جميع مناطق المملكة. والمرضى من هؤلاء ممن يحتاجون إلى جراحة كبدية أو زراعة كبد أو اختبارات دقيقة نقوم باستقبالهم في المركز وعدا ذلك نقوم بالتوصية لهذه الاستشارات حيث يمكن متابعتها في مستشفيات مناطق المملكة. ما المدى الذي وصلت إليه علاجات زراعة الكبد في المملكة، وهل هناك استفادة من المجهود العالمي بهذا الشأن؟ - لقد قمت بزيارة بعض مراكز زراعة الكبد في العالم وتحدثت لعدة رواد في مجال زراعة الأعضاء، وما نحن عليه في المركز من توفر طاقات بشرية سعودية مؤهلة، وما نملك من وسائل طبية مساندة يعد مماثلا تماما لما عليه أحدث مراكز العالم في هذا المجال. بل إن كثيرا من مركز الزراعة في دول العالم الأخرى لا تملك كثيرا مما نملك من وسائل طبية. أما بالنسبة للاستفادة من المجهود العالمي فإننا نقوم بالمشاركة في المؤتمرات العلمية وعلى علاقة مستمرة ببعض رواد هذا المجال لتبادل الخبرات ومناقشة الحالات المستعصية. عمليات زراعة الكبد إلى أي مدى يتم إجراؤها في المملكة حاليا، وما هي نسب نجاح العمليات؟ - نقوم بحوالي (عشرين إلى خمسة وعشرين) حالة زراعة كبد في السنة، وهذا يشمل حالات تليف الكبد عند الأطفال والبالغين. ولكن قابلية المركز تتسع لعدد أكبر من عمليات الزراعة. وحسب خطة المركز فإنه كان من المتوقع عمل حوالي 100 حالة زراعة كبد في عام 1998م، ولم يتم ذلك نظرا لعدم توفر متبرعين بهذا العدد. أما عن نسبة نجاح عملية الزراعة فإنها تصل إلي حوالي 90?، وهذا يشمل نجاح العملية نفسها ونجاح وظيفة العضو المزروع، وهذه النتيجة هي مماثلة لما توصلت إليه أكبر وأحدث مراكز زراعة الكبد في العالم. هل هناك أعراض معينة يمكن أن تنجم عن هذه العملية؟ - نعم كبقية العمليات الجراحية فعملية زراعة الكبد هي من أكبر العمليات الجراحية وتحتاج إلى مهارة وحسن تصرف لما قد يحدث أثناء العملية. لا يخفى عليك أن تليف الكبد يكون دائما مصحوبا بارتفاع في الضغط البابي، وهذا يؤدي إلى تمدد الأوعية الدموية الوريدية، ولذلك فإن أكثر المضاعفات شيوعا مع هذه العملية النزيف الشديد، وجراح الكبد لديه أساليب كثيرة للتعامل مع تلك المضاعفات. بالإضافة إلى النزيف الدموي يصاحب عملية الزراعة تغييرات سريعة في أملاح الدم وهذه كذلك تتطلب سرعة استجابة من طبيب التخدير وإذا لم يتم ذلك فقد يتوفى المريض لاسمح الله وهذه الوفاة تكون بمعدل 2? على أدق الدراسات. أيهما تفضل: اللجوء إلى العلاجات التقليدية لمرضى الكبد أم الحل الجراحي؟ وفي أي الحالات تقرر ضرورة إجراء عملية زراعة كبد؟ - عندما يصاب الإنسان بتليف الكبد لأي سبب كأن تظهر مؤشرات سريرية وكيمائية تدل على مدى تأثر الكبد بالتليف، فإن كان في بدايته فإن المصاب يحتاج إلى عقاقير دوائية تساعد على التخفيف من حدتها، وأحب أن أؤكد أن هذه العقاقير لا تقوم أبدا بإزالة التليف لأنه عندما تصل الإصابة إلى مرحلة التليف فإنه لا يمكن إعادة الخلايا المفقودة. ويقوم بالإشراف على تلك المرحلة طبيب وجراح الكبد حتى إذا ما وصلت وظائف الكبد إلى مستوى لا يفي بحاجة الجسم - عندئذ يأتي دور زراعة الكبد، والفترة من بداية أعراض التليف وحتى الحاجة إلى زراعة الكبد تخضع لعدة عوامل تختلف من شخص إلى آخر وتحتاج إلى تنسيق دقيق بين فريق زراعة الكبد. ما الشروط التي يجب توافرها فيمن يقومون بإجراء عمليات زراعة الكبد؟ - زراعة الكبد هي كما أشرت من العمليات الكبيرة التي تتطلب المعرفة والصبر والمهارة. بعد أن يخضع الشخص المريض لعملية زراعة الكبد هل يتعافى تماما، أم يحتاج إلى متابعة علاجية؟ - من الطبيعي عندما يتم نقل أي عضو من جسد إلى آخر عدا قرنية العين فإن الجسم المستقبل سوف يقوم برفض وتدمير العضو المزروع، ولذلك فإن عقاقير تخفيض المناعة هي الأساس بعد الله في نجاح واستمرارية وظائف العضو المزروع، لذلك فإن جميع مرضى زراعة الكبد يحتاجون إلى هذه العقاقير التي يتم تخفيضها تدريجيا حتى تصل إلى جرعة واحدة كل 2إلى 3 أيام وعدد قليل من المرضى يمكنه إيقاف هذا الدواء ولكن بشروط وتحت مراقبة دقيقة. أما السؤال عما إذا كان المريض يتعافى تماما من المرض الأساسي بعد الزراعة فهذا بشكل عام يعتمد على نوعية المرض فبعض الأمراض كالوبائية تعود بعد الزراعة بفترات مختلفة، وأما أمراض تليف القنوات الصفراوية وترسبات الحديد والنحاس وتليف الكبد عند الأطفال فإنها لا تعود إلى الكبد المزروعة بإذن الله. مم يتكون الفريق العلاجي الذي يقوم بعملية زراعة الكبد وكم يستغرق إجراء العملية من وقت؟ - يتكون الفريق العلاجي من مجموعتين: الأولى من جراح ومساعد يقومان بإحضار الكبد من إنسان متوفى دماغيا، غالبا ما يكون من إحدى مناطق المملكة وأحيانا من إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، والثانية من استشاري زراعة الكبد ومساعدين وطبيب تخدير ماهر وهذه المجموعة هي التي تقوم بزراعة الكبد التي قد تستغرق من 5 إلى 12 ساعة. ما هي أهم مسببات الإصابة بأمراض الكبد، وماذا يجب علينا تجنبه حتى لا نتعرض للإصابة؟ - تختلف المسببات باختلاف البلد فهناك أمراض شائعة في الغرب هي قليلة عندنا والعكس صحيح. فمن أهم المسببات عندنا هو مرض الوبائية ب أو ج وأمراض ترسبات النحاس والعيوب الخلقية في الكبد وإدمان الكحول. الوقاية من هذه الأمراض تتمثل في أخذ اللقاح ضد الوبائية ب (لا يوجد لقاح ضد الوبائية ج) في سن مبكرة من الحياة، الابتعاد عن الزواج من الأقارب إذا كان هناك مرض كبدي وراثي بعد استشارة طبيب مختص والإقلاع تماما عن الكحول. ما أحدث المستجدات العلاجية في أمراض الكبد بشكل عام وعمليات الزراعة بشكل خاص؟ - تليف الكبد من الأمراض المستعصية، والأبحاث العلمية بدأت في أوائل الخمسينيات للتعرف على المسببات وطرائق العلاج منها. وفي الآونة الأخيرة تركزت البحوث على إيجاد عقاقير مخلصة من الوبائية ب و ج وتم التعرف حديثا على عقار فعال ضد وبائية ب هو عقار Lamuvidine. أما عن وبائية ج فجميع الدراسات فشلت في الوصول إلى نتائج مرضية من استعمال كـثير من الأدويـة إلا دوائين هما مادة X-interfevan ومادة Ribavivin اللتين تعتبران العلاج الوحيد لهذا المرض العضال. أما عن مستجدات عمليات زراعة الكبد فنظرا لقلة المتبرعين في هذا المجال فقد لجأ الأطباء إلى التعرف على مصادر وأساليب أخرى للحصول على أعضاء ومن هذه الأساليب فصل كبد المتوفى دماغيا إلى فصين الأيسر صغير والأيمن كبير ومن ثم إعطاء الأيسر لزراعته في طفل أو بالغ قليل الوزن والأيمن إلى بالغ وبالفكرة نفسها يمكن الحصول على الفص الأيسر من أحد والدي الطفل المحتاج للزراعة ثم زراعته فيه دون أي آثار سلبية على المتبرع، ونحن عما قريب سوف نستخدم هذه الطريقة الحيوية، كذلك من المستجدات استعمال كبد حيواني ليتم زراعته في حيوان آخر من فصيلة أخرى للتمهيد إلى إمكانية زراعته في جسد الإنسان والأبحاث جادة في هذا المجال. ما أهم النصائح التي تقدمها لمرضى الكبد؟ - كما قلت مرض تليف الكبد مرض مزمن لغالبية المرضى إلا من أجريت له زراعة كبد لمرض غير الوبائية فإنه بإذن الله يشفى تماما، لذلك يجب على إخواني المرضى أن يتحلوا بالصبر على هذه المصيبة والاحتساب عند الله. كما يجب عليهم المداومة والدقة في أخذ الأدوية المساعدة على إزالة أعراض التليف وأن يبذلوا الجهد في معرفة مرحلة التليف عندهم وطرائق العلاج المتوفرة ووقاية أزواجهم وذويهم من أي عدوى ممكنة. هل صحيح أن عمليات زراعة الكبد مكلفة ماديا، وإلى أي حد ذلك؟ - بالطبع فعملية الزراعة هي من أكثر العمليات الجراحية كلفة فمثلا عملية زراعة واحدة غير مصحوبة بمضاعفات في الولايات المتحدة الأمريكية تصل تكاليفها إلى حوالي نصف مليون دولار، وبالمقابل فإن تكاليف زراعة كبد واحدة في المركز على آخر تقرير قبل حوالي سنتين حوالي ثلاثمائة ألف ريال، أما الآن فالتكلفة في تصوري يمكن أن تصل إلى نصف هذه القيمة. ما هي أهم الأسباب التي تؤدي إلى الفشل الكبدي، وكيف يمكن تلافي ذلك؟ - الفشل الكبدي ينقسم إلى قسمين، حاد ومزمن أما الأخير فقد سبق الحديث عنه وهو الناتج عن تليف الكبد وهو نتيجة للتليف ومن العوامل التي تساعد على ظهور هذا الفشل الكبدي مبكرا الالتهابات المزمنة في ماء الاستسقاء والنزيف الداخلي واستئصال جزء من الكبد لإزالة ورم بحيث لا يفي الجزء المتبقي بحاجة الجسم. أما الفشل الكبدي الحاد فقد ينتج عن عدة مسببات منها أخذ العقاقير الدوائية بجرعة زائدة بعض التهابات الحلق النادرة عند الأطفال وأكثر هذه المسببات شيوعا في مجتمعنا أخذ أعشاب طبية تكون قاتلة لخلايا الكبد. وجزء كبير من هؤلاء المرضى لا يتم التعرف على المسبب لديهم. هل هناك عمليات زراعة كبد تجرى للأطفال؟ - نعم فإن المركز لدينا يقوم بزراعة الكبد للأطفال والبالغين على حد سواء ونتطلع قريبا لعمل زراعة جزء من كبد أحد الوالدين لطفلهما. من هو الشخص الذي يمكنه التبرع بالكبد؟ - يجب أولا إعطاء القارئ نبذة عن المتبرع بالأعضاء، المتبرع بالأعضاء هو الشخص المتوفى دماغيا وهذا الإنسان المتوفى دماغيا هو إنسان ميت حيث لا يضخ قطرة دم واحدة إلى الدماغ ولا توجد فيه علامات الحياة ولايبقى إلا جهاز الدورة الدموية ممثلا في ضخ القلب وهذا ناتج عن استمرارية دفع مادة الأكسجين بميكنة التنفس الصناعي وهذه الدورة الدموية حتى مع الأكسجين تتوقف بعد فترة قصيرة من موت الدماغ وهذه الفترة تتراوح بين ساعات قليلة وبضعة أيام وهذه النقطة شائكة في أذهان كثيرة من أبناء مجتمعنا، فأقول إن وجود ضربات القلب لا يعني الحياة في الإنسان المتوفى دماغيا وأود أن أخبر القارئ العزيز بحالة أخرى، فعند إجراء معظم جراحات القلب المفتوح يوقف القلب تماما عن الحركة فهل نقول في هذه الحالة إن الإنسان ميت. بالطبع لا، فبعد انتهاء العملية يعاد القلب إلى الحركة. إذا وجود ضربات القلب ليس شرطا في بقاء الحياة مادام الدم لا يتدفق إلى الدماغ، وأحب أن أطمئن القارئ الكريم بأننا عند تشخيص حالة موت دماغي نقوم باختبارات وفحوصات دقيقة بإذن الله لا تحتمل الخطأ بل نتعدى ذلك في المملكة إلى عمل تخطيط دقيق للمخ، حيث لا يكون هناك أي مجال للشك في تشخيص الموت الدماغي. أخي العزيز عندما ترى إخوانك المرضى يعانون ويموتون من هذا المرض تتمنى أن تقدم لهم كل ما في وسعك لإنقاذهم، وأعلم أنك عندما تتبرع بأعضائك أو أعضاء قريب لك متوفى دماغيا تكون قد أنقذت نفسا مؤمنة وينالك من الله الأجر والمثوبة. هل هناك أرقام محددة عن عدد المتبرعين بالكبد في المملكة؟ - الأرقام التالية توضح قلة التبرع من قبل أبناء مجتمعنا ففي عام 1998م وصل المركز بلاغ عن 385 متوفى دماغيا وافق على التبرع أهل 60 حالة فقط عرضت منها 51 حالة على المركز واستؤصلت 36 كبدا زرع منها 20 فقط وهذا النزول من 60 إلى 20 تمثل عدم صلاحية العضو نتيجة التأخير عن البلاغ من ناحية العناية المركزة وكذا من ناحية تأخر الأهل بالموافقة، أرجو من القارئ الكريم أن يولي هذا الأمر اهتماما خاصا ولا ينسى إخوانه المرضى الذين قد يطول انتظارهم إلى عدة سنوات وكثير منهم يتوفى أثناء فترة الانتظار.