جماليات المرأة السمينة

أحكمت منتجات هوليوود السينمائية قبضتها على الذوق العام العالمي فترة طويلة من الزمن.. كمية الإنتاج وكثرته والتكنولوجيا المتقدمة ورأسمال ضخم وسيادة الآلة الإعلامية الأميركية على العالم جعلت كلمة "هوليوود" مرادفة لكلمة سينما.

من بوابة السينما صارت أميركا صانعة التوجهات الاجتماعية بأشكالها المتعددة: موضة الملابس، أسلوب العيش وطريقة الأكل، كما وقد وضعت معايير الجمال والقبح والصحة والعلل وغيرها من الثنائيات التي تقود الذوق العام. حتى تشكل في ثقافات العالم تعريف عالمي مشترك للمرأة القبيحة والمرأة الجميلة.

كدنا أن نتفق أن المرأة الجميلة هي المرأة (النحيفة البيضاء الشقراء الطويلة) وعلى كل امرأة في العالم أن تأخذ من هذه المواصفات ما تستطيع. انتشار المراكز الرياضية في أنحاء العالم موضة أميركية هدفها في النهاية تحقيق ما تصبو إليه الفتيات من جمال حسب المواصفات الأميركية، حتى أصبحت المرأة تقيس وزنها بالغرام، وليس بالكيلو فقط؛ وتبع هذا بالطبع تجار الأغذية وتجار الأدوية وتجار المكملات الغذائية.. الجميع يريد أن ينهش نصيبه من شحم المرأة حتى وإن جاء على حساب صحتها.

عندما أعود إلى السبعينات الميلادية أتذكر كنا نردد الأشعار التي تتغنى بالمرأة المليئة، وكانت السيادة على ذوقنا العام للمغنيات والممثلات السمينات. كنا نفرق بين السمنة التي تتطلب تدخلاً، وبين الامتلاء الذي هو معيار جمالي، لكن هوليوود مسحت الخط الفاصل بين الاثنين.

جعلت كل شحمة تضيفها المرأة على جسدها جريمة جمالية تعاقب عليها بالتجويع.

أظن أن سيادة هوليوود على الجمال العالمي في أفول.. كانت السينما الأميركية هي النافذة الوحيدة التي يطل منها العالم على جسد المرأة، وكانت نافذة يحكمها ذوق واحد.. الرجل الأميركي الأبيض.

لا يدخل هذا من باب العنصرية، ولكن هذا ما تربى عليه هذا الرجل، فالرجل الأفريقي سيرى أن المرأة السمراء السمينة هي الجمال والرجل العربي سيرى الحنطية كذلك والرجل الصيني سيرى المقاييس الصينية هي الجمال الأوحد. جاء نموذج المرأة العالمي المعتمد حسب المعايير الأميركية نتيجة الإمكانيات الأميركية.

لم يعد الأمر كذلك.. لم تعد الممثلة الفلانية أو الأخرى أنموذجاً. فكل فتاة ترى في نفسها ذرة جمال تستطيع أن تعرض هذا الجمال على اليوتيوب. بل برزت هذه الأيام ظاهرة موضة السمينات (plus size) ستراهن في اليوتيوب كطيف واسع يبدأ من الممتلئات إلى أقصى درجات السمنة.

لم تعد المرأة السمينة تخجل من سمنتها، وهذا ما حدث للرجال أيضاً.. تخلى الرجال عن خجلهم من ألوانهم وصلعاتهم وكروشهم، وعاد الذوق مسألة شخصية.

بقلم/ عبد الله البخيت - الرياض