حوكمـة الشركـات... (رقابـة وإدارة مـوارد)

أن مصطلح "حوكمة الشركات" فرض نفسه بسرعة حتى أصبح مثــار اهتمام كافة الأجهزة والدوائر الرقابية الحكومية في العالم لاسيما بعدما تبني صندوق النقد والبنك الدوليين هذا الاتجاه الجديد وقامت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بعقد العديد من المؤتمرات والندوات الدولية للوصول الى الإصلاح الاقتصادي في أسواق المال العالمية.

وقد ظهر مصطلح الحوكمة على غرار مصطلحات أخرى مثل مصطلح المسؤولية الاجتماعية، والخصخصة بما ينسجم مع مصطلحات أخرى دارجة في إطار نظام العولمة حيث بدأ العالم الغربي في العقد الأخير من الألفية الثانية في أمريكا وبريطانيا وأستراليا وفرنسا بتطبيق هيكل حوكمة الشركات. والسبب الرئيس الخاص بتطور الفكر المؤسسي لحوكمة الشركات جاء بعد تنامي ظاهرة سلوكيات الفساد في الشركات بقمة الهرم في الإدارة العليا وحرية التصرف المطلقة الممنوحة للإدارة العليا دون الخضوع لأي مساءلة وانخفاض مستوى الرقابة وعدم تطبيق الاحكام والانظمة وامتثال أعضاء مجالس الإدارة وتنازلهم في بعض الأحيان عن القيم الوظيفية وسوء استخدام سلطاتهم الوظيفية للمصالح الخاصـة.

تعتبر الحوكمة أو ما يقابلها باللغة الإنجليزية ""CORPORATE GOVERNANCE  من أهم المصطلحات والمفاهيم الرائجة في أوساط الأسواق المالية، والشركات المدرجة ولدى الجهات الرقابية عليها . 

ويشير مصطلح "حوكمة الشركة" الى إحكام الرقابة على إدارة الشركات والاشراف عليها على النحو الذي يضمن توجيه أعضاء مجلس الإدارة للإدارة التنفيذية للشركة بما يحقق أهدافها وأفضل الرؤى. 
وقد تم إقرار نظام حوكمة الشركات في المملكة العربية السعودية في عام 2006 م  والذي يهدف إلى تدخل الحكومة في الشركات المساهمة بفرض أنظمة ولوائح صارمة، تهدف إلى حماية المساهمين والمستثمرين في الشركات المدرجة.  ويعتبر هذا جزءاً من جهود هيئة السوق المالية لرفع مستويات الجودة والشفافية والإفصاح في قطاع أعمال الأوراق المالية، في سبيل صناعة بيئة استثمارية ملائمة.

ومن ضمن قواعد حوكمة الشركات إقرار هيئة سوق المال عدد أعضاء مجالس الإدارات، وأن تكون أغلبية أعضاء مجلس الإدارة من غير التنفيذيين. كما أقرت هيئة سوق المال تواجد أعضاء مستقلين في مجلس الإدارة، يمثلون صغار المساهمين، ولا تقل نسبتهم عن ثلث أعضاء المجلس. وكذلك الالتزام بالمحافظة والصون لسياسات الإفصاح وإجراءاتها ومن ذلك إفصاح كبار المساهمين عن أي عملية بيع أو شراء، ذلك أن أسعار الأسهم تتأثر بهذه العمليات كما أقرت عددا من الأنظمة واللوائح التي تختص بالتنظيم الداخلي للشركات كالتدقيق المالي وغيره.

والحقيقة أن التحدي الكبير في ظل الرغبة في تطوير إطار قانوني متكامل موائم لتوطين الحوكمة يتمثل في مدى مواكبة المعايير العالمية المعتمدة في حوكمة الشركات بما يشمل إعادة هيكلة مجالس الإدارة، وحماية حقوق الأقلية، وتعزيز إجراءات الرقابة، وتكريس الشفافية والإفصاح والمساواة بالفرص سواءً في الشركات المدرجة وغير المدرجة، وتكييف كل ذلك ليتوائم مع خصائص الشركات المحلية وأنماط الملكية، والأسواق المالية، والأعراف المستقرة. 

ومن الجدير بالذكر بأنه لا يكفي أن تتم صياغة قواعد شاملة للحوكمة، وإنما المهم ممارسة هذا النظام وتطبيقه بشكل فعّال لاسيما بعدما أظهرت الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة غياب الحوكمة حتى في الدول المتقدمة كممارسة رغم وجود قواعد ومواثيق تنظمها. فقد برهنت تلك الأزمة على عدم الامتثال في الممارسة الفعلية لقواعد واحكام الحوكمة وغياب المعايير الأخلاقية في سلوك الإدارة والممارسات الأخلاقية والنـزيهة وعدم المحاسبة عن الانحراف في مبادئ سلوكيات وأخلاق العمل.

فالحوكمة هي نظام للإدارة يعني بوضع الضوابط ويشكل دليلاً للرقابة الذاتية يستهدف حسن إدارة الشركة ومواردها على نحو افضل .
 
بقلم / محمد جلال عبدالرحمن - باحث ومستشار قانوني