أن يكون لك وطن

عندما تكون بلا وطن فإنها كارثة إنسانية لا يمكن تخيل ألمها، ولا يمكن أن يشعر بها إلا من يعانيها. تأملوا في وجوه النازحين والمشردين قسراً من أوطانهم، تلك القوافل من البشر المشردين على الحدود الذين لا يعرفون أي أرض تنتظرهم بعد أن كانت لهم أوطان. تأملوا الذل والانكسار والهزيمة المرسومة على الملامح وهم يعبرون من نقطة إلى أخرى بعد أن أصبحوا يحملون ذكريات وطن تركوه لأنه لم يعد صالحاً للحياة. مهما سوف تعطيهم البلدان التي يذهب إليها هؤلاء يظل هناك شيء مفقود لا يمكن تعويضه أبداً، الإحساس بالأمان الذي يمنحه الوطن، الارتباط المتجذر به، ترابه، رائحته، ذكرياته، الأهل والناس وتراكمات التأريخ في كل مكان لأجيال هي منك وفيك. أشياء خاصة وحميمة لا يعوضها أي مكان آخر.

لكن العجيب والغريب واللامعقول هو عندما يصر شخص على ألا يكون له وطن، أن يترك وطنه باختياره ودون مبرر، أن ينسلخ من كل قيم الوطن التي تفرضها عليه موجبات انتمائه لوطنه، أن يقايض المعلوم بالمجهول، وأن يقامر بشعور الأمان الذي يعيشه في وطنه من أجل احتمالات مضطربة قد تجعل بقية حياته جحيما. الذين يغادرون أوطانهم بأسباب الحروب والدمار واستحالة الحياة لا أحد يلومهم لأنه لا خيار آخر لديهم، أما الذين يبطرون على نعمة أن يكون لهم وطن ويختارون الذوبان في أوطان أخرى تتلقفهم كأجسام غريبة مهما طال بقاؤهم فيها، فإنهم يرتكبون أكبر حماقة بحق أنفسهم.

كل شيء قابل للاختلاف حوله، وكل القضايا يجب أن تكون مطروحة للنقاش، وكل المشاكل يجب الاعتراف بها والبحث عن حلولها من الجميع داخل الوطن الواحد. لا يوجد وطن بلا مصاعب، ولا يوجد مجتمع طوباوي منزه من أي خطأ. كل شيء يمكن الأخذ والرد فيه إلا الوطن. من يفكر بترك وطنه بشكل نهائي ولأي سبب فإنه قد حكم على نفسه بالضياع وقطع شريان حياته. لا يعرف نعمة الأوطان إلا الذين فقدوا أوطانهم، والذين يعتقدون أن أوطانا أخرى ستمنحهم دفء الوطن وكرامته واهمون كثيراً.

بقلم/ حمود أبو طالب-عكاظ