ليش يا أخي هو حلال حكومة؟!

كثير منا صادف رجلاً ثرياً يجلس في صدور المجالس يستأثر بكل الحفاوة والاحترام ومع ذلك يعرف الجميع أن ثراء هذا الرجل جاء من الفساد. كان موظفاً كبيراً واستغل منصبه أو يعمل في دائرة خدمية تمكنه وظيفته من تلقي الهبات والرشى إلخ، ما الذي يدعو الناس إلى احترام هؤلاء؟.

كلمة فساد حديثة العهد، لم تكن تعبر عن السطو على المال العام واستغلال النفوذ إلا مؤخراً. مفهوم جاء مع ترجمة corruption ، راوح معنى فساد في ثقافة الناس بين تعفن الأشياء وبين المسألة الاجتماعية، كلمتا فاسد وداشر يقتربان في المعنى والدلالة كثيراً. في الماضي القريب إذا اعتدى أحدهم على شيء من ممتلكات آخر قال له معاتباً: (ليش يا أخي هو حلال حكومة)، هذا التعبير يلخص النظرة السائدة إلى المال العام.

 وتنعكس هذه النظرة على الممارسات. استخدام الممتلكات العامة لأغراض شخصية أمر عادي، كأن يأخذ أسرته إلى البر بسيارة الحكومة ويمكن أن تلاحظ أن كثيراً من أدواته المنزلية من ممتلكات الحكومة ويرتب مع رئيسه انتداباً لا حاجة للعمل به

هذا اسمه فساد ولكنه فساد متواضع متناثر أيامه محدودة لا يثير الريبة والانتباه. من شدة توفره أصبح مقبولاً اجتماعياً، بل محظوظ من أتيحت له الفرصة الحصول عليه.

هذا الفساد الصغير المتناثر شكل ثقافة، ولكن الصغير يكبر، فرئيس القسم الذي يشره الموظف بانتداب لا حاجة له بماذا يا ترى سيشره نفسه، هذا الرئيس له رئيس. صلاحيته أكبر والأكبر عليه أكبر وهكذا تتصاعد المسألة حتى نصل للمذكور أعلاه الذي يتصدر المجالس ويحظى باحترام الجميع وهذا الجميع يعرف أن المحترم سطا على ملايين من المال العام، لم ينتبه مواطننا أن مال الحكومة هو ماله إلا مؤخراً.

لم يكن لهذا الفساد تعريف. استولت دلالة فساد الأخلاقية على دلالة الكلمة المتجهة إلى الفساد الإداري، في اللحظة التي تذكر فيها كلمة فساد سينصرف الذهن إلى الممارسات الاجتماعية الخاطئة أو المحرمة، حتى كلمة سرقة عند ذكرها سينصرف الذهن إلى السطو على مال الأفراد لا السطو على المال العام. نجاة كثير من سارقي المال العام من العقاب ساهم بقدر كبير في تخفيف سلبية الفساد الإداري في الضمير الاجتماعي، لأن الفساد الإداري متدرج متصاعد ومتنوع اعتاد الناس عليه، لم يكتف كثير من الناس الاعتياد عليه بل أصبح طموحاً. يتمنى أن يكون في منصب فلان أو فلان الآخر لما فيه من أسباب الربح الوفير. يمكن تلخيص الأمر بغياب المنطلق الأخلاقي لهذا النوع من الفساد في الضمير الاجتماعي.

بقلم/ عبدالله بن بخيت - الرياض