الغرب أو العدو الوهمي

أعظم الأسباب التي تنشأ عنها الكراهية والحروب هي سوء الفهم. ينشأ معظم سوء الفهم من العزلة فيتولد عن العزلة ظاهرة اسميها الإسباغ وهي افتراض أن الآخرين يفكرون ويقررون مثلك وبطريقتك. تنشأ هذه المشكلة عندما تختطف مجموعة من البشر وتغلق عليها وراء قضبان ثقافية لا تسمح لهم أن يقرؤوا سوى ما تراه صحيحاً ولا يسمعوا إلا ما تريدهم أن يسمعوه.

هؤلاء كما حدث في بلادنا وبلاد المسلمين يطورون آلية خاصة بهم لفهم العالم، لا يشترك معهم فيها أحد. حياتهم متوقفة على طريقة تفكير واحدة وإيمانات معينة فيرون العالم مثلهم تماماً أو عكسهم تماماً وبالتالي يصبح العالم إما صديقاً أو عدواً.

بنظرة إلى تصور كثير منا عن الغرب سترى ظاهرة الإسباغ في أعلى تجلياتها. بعضنا يفكر بطريقة دينية معينة ويضع الدين معياراً وهذا شيء طيب لكن السيئ أن يظن أن الآخرين يفكرون بطريقة دينية، يرى أن الآخرين أيضاً يضعون الدين معياراً. إذا كان هو مسلم متعصب هم أيضاً مسيحيون متعصبون أو يهود متعصبون أو هندوس متعصبون. يرى العالم من منظار ديني وبالطريقة التي تربى عليها. فإذا تم تلقينه أن الدين الحق يقوم على الغزو ظن أن الآخرين أيضاً يفكرون في غزوه، وإذا كانت أهدافه هداية الناس لدينه يظن أن أهداف الآخرين أيضاً إخراجه من دينه وهدايته لدينهم.

كل ما يفكر فيه يظن الآخرين يفكرون بعكسه ولكن بنفس الطريقة. لا تقف المشكلة عند هذا الحد بل سترى أن تحديه ومقاومته لا تتجه إلى ما يمكن أن يضره أو ينفعه من الآخرين، لا يعرف كيف ينافس الآخرين في مصدر قوتهم، وضع للآخرين أهدافاً متخيلة مضادة لأهدافه لتكون هي أهداف الآخرين التي يتوجب عليه أن يقاومها.. لا يرى سبباً للمنافسة مع الغرب إلا في الإطار الديني والاحتكام للسلاح، افترض أن الغرب عدوه ولكي ينسجم الأمر مع خطابه التعبوي قرر أن قضية الغرب هي الصليبية. فامتلأ خطابهم التحريضي بتكرار قصة الانتصارات والانكسارات التي حدثت في الحروب الصليبية قبل ألف عام، شكل تاريخ الحروب الصليبية الغابرة أفضل مكافئ يجعل تصوراته عن الحرب الدينية التي يتوهمها هي الحقيقة الساطعة، الغرب هدفه تدمير عقيدتنا نصرة لدينه.

تم تلقينه بحلم وهمي أن المسلمين شيء واحد فصار يتحدث عن الغرب كشيء واحد أيضاً، لا يعرف ولا يريد أن يعرف أن الغرب أجناس ولغات وأهداف وأحقاد تاريخية تمتلئ علاقاتهم بكل أنواع التناقض كما هي حال المسلمين بالضبط.

هذا الإنسان لا يرى الآخرين، لا يرى سوى نفسه.. هذا ما اسميه الإسباغ أو كارثة التفكير المنغلق على نفسه.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض