بودرة السعادة

يحدثنا بعض المختصين أن الكتابة للأطفال أصعب من الكتابة للكبار. لا أعرف إلى أي مدى نأخذ هذا الرأي بجدية. الشيء المؤكد أنهما نمطان مختلفان. الأطفال مجتمع والكبار مجتمع آخر. اختلاف في التطلعات والنظرة للوجود والمعرفة والخبرة.

قرأت كثيراً من الأعمال الموجهة للأطفال عندما كنت طفلاً، ولأني تجاوزت مرحلة الطفولة لا أعلم هل كانت تلك الكتب جيدة أم لا؟ ما الذي يثير اهتمام الأطفال ويشجعهم على القراءة. حسب تجربتي القديمة جداً أرى أن الأطفال يقرؤون للمتعة والتسلية. يبحثون عن نفس المتعة التي يحصلون عليها من مشاهدة المسلسلات والمسرحيات والسيركات.

لن أنسى ميكي وسمير والوطواط والعم بطوط. كانت دور النشر المصرية تترجم النص عن الأصل الأميركي مع الاحتفاظ بالصور.

قرأت قبل عدة أيام كتابين موجهين للأطفال من تأليف الكاتب السعودي الأستاذ يعقوب إسحاق (بودرة السعادة) (وسوسة الشيطان) سعدت بالاطلاع عليهما. ذكرتني بالأيام القديمة. بساطة النص وسهولة العبارة والمباشرة في الطرح. أمتلأ الكتابان بالصدق الذي يفهمه الأطفال قبل أن تأخذهم الحياة للتعقيدات والمواربة والتوريات.

أحسست أن الكتابة للأطفال مغامرة كبرى. تنتقل بقدراتك إلى مستوى آخر من التفكير والوعي وقد تصل إلى الذكاء غير المصقول والمفتقر للتجربة. قليل من الكتاب السعوديين أو العرب من غامر في هذا الاتجاه.

كتب الأستاذ يعقوب نصيه باللغة العربية الفصحى. لا أعلم مدى قدرة الطفل على امتصاص المعاني وإدراك مرامي النص حتى وإن كانت عربية مبسطة. ثروة الطفل اللغوية محدودة في معظمها في كلمات عامية. لكن النصوص الموجهة للأطفال لا تعتمد على اللغة وحدها. ثمة عوامل كثيرة (في ظني) تلعب دوراً في اجتذاب الطفل للقراءة والاستمتاع. الألوان والصور ونوعية الطباعة وطبيعة القصة وساحة المغامرة.

كتب الأطفال القديمة التي قرأت كانت بالعامية المصرية. تدور حكاياتها في مجتمع حيوانات ناطقة وقصصها تقوم على المغامرات المضحكة أو المحزنة. في كل قصة ستجد شخصية كوميدية تثير الضحك أو شخصية تثير الشفقة. نفس ما شاهدناه بعد ذلك في مسلسلات الصور المتحركة الأميركية.

كتابا الأستاذ يعقوب لا تولي التشويق القصصي والمغامرة أهمية بقدر ما تركز على الرسالة التي تحتويها، بيد أن هذا لا يمنع من الاستمتاع بالنص قد يكون وضوح الرسالة يعود إلى تجربتي كبالغ. فالأستاذ يعقوب خبير في هذا المجال.

في النهاية لا أعرف ما الذي سيحدث لهذا الفن؟ لا يمكن التنبؤ بتأثير الكتابين على الأطفال في أيامنا هذه. لم يعد الكتاب وحده في سوق الأطفال. لعله أصبح أضعف الوسائل التي يمكن أن نخاطب بها الطفل. من الصعب أن ينافس الألعاب الإلكترونية. لكن ليس لنا خيار. علينا أن نؤلف كتباً للأطفال لكي نعودهم على قراءة الكتب.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض