نهاية أبو وجهين

دوت فضيحة فيس بوك في أنحاء العالم. معلومات الملايين من البشر تم تسريبها.

شعرت لحظتها أن أسراري أصبحت في متناول الشركات العالمية والمؤسسات التجارية، وبالتأكيد أصبحت بيد المخابرات العالمية. السي آي ايه والكي جي بي والموساد.. إلخ. بقدر ما كانت النت نعمة نكتشف الآن أن هذه النعمة أصبحت نقمة. أصبحت أسرارنا وأهدافنا وخططنا ومعلوماتنا الشخصية وكتاباتنا ورغباتنا وملاحظاتنا الصغيرة في يد الأجهزة العالمية.

في زمن سيطرة الأجواء البوليسية على الحياة العربية والتي قادت إلى ما تعيشه أكثر الشعوب العربية هذه الساعة، كنت أجلس في مقهى في مدينة لندن مع مجموعة من العرب مختلفي الجنسية. من بين هؤلاء شاب عراقي يعيش في لندن يحب الحديث عن القضايا السياسية. بعد قليل من النقاشات استأذن وغادر الجلسة. التفت ناحيتي شاب يمني وقال بما يشبه الهمس: هذا العراقي يشتغل جاسوساً انتبه منه. شعرت بشيء من القشعريرة ولكني تماسكت حتى عدت إلى شقتي. أضأت النور ونظرت في الأنحاء فطافت بي خيالات السجون والعزل والتعذيب. كانت أخيلتنا معبأة بالصور المرعبة عن قوة وجبروت وتغلغل أجهزة المخابرات. شعرت بالارتباك. ما الذي يمكن أن أفعله لكي أسحب أي كلام قلته في تلك الجلسات من ذاكرته. لم أسأل اليمني يتجسس لصالح من؟ كان يكفي أن تقول (جاسوس) ليلجم لسانك فلا تملك طاقة تكفي لطرح الأسئلة أو تستوضح. لكن لماذا يتجسس علي ومن أنا؟ إذا كانت المخابرات العالمية ستتجسس على أمثالي كم يحتاجون من الرجال والمال لتغطية تكاليف التجسس.

قرأت مرة مقالاً لكاتب عربي يتحدث فيه عن التجسس والعمالة للمخابرات الأجنبية. بعد أن تحدث عن التراشق العربي والاتهامات بالعمالة للمخابرات الأجنبية تساءل: وين المخابرات الأجنبية عنا؟ (هينا جاهزين شو بدهم نعطيهم).

مع اندلاع أزمة فيس بوك بعضنا أصيب بالفزع أن تكون معلوماته الشخصية قد تسربت ضمن المعلومات التي تسربت. ولكنه لم يسأل من هو؟ عمرك وتاريخ ميلادك وهواياتك وملاحظاتك وجنسك وجنسيتك. هذه المعلومات لا تكون في العادة سرية وتسربها لا يشكل تهديداً لأحد. معظم من يعرفني ككاتب يعرف عني هذه المعلومات. أقصى أذى أن تستخدم في إزعاجك بالإعلانات المنسدلة وغيرها. وللحقيقة فإن إزعاجها أرحم من إزعاج الإعلانات العشوائية. ستأتيك الإعلانات متفقة أو قريبة من احتياجاتك.

اختصاراً للموضوع علينا أن ندرك أننا انتقلنا إلى عالم جديد وأن معلوماتنا التي لا نبوح بها لأحد ونعدها سرية للغاية سوف تتسرب. ستزول الخصوصية الفردية. أتوقع في العشرين سنة المقبلة ستختفي شخصياتنا التي ندعيها ونتظاهر بها وتظهر شخصياتنا الحقيقية التي نخفيها.. سيزول أبو وجهين.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض