المخلوق الذي لا يموت

العـنوان ليس مجازياً وليس من قبيل التسويق.. صحيح أننا سنموت في النهاية، ولكن بعض المخلوقات يمكنها العيش لقرون أو استبدال أجساد بأجساد جديدة حتى تنتهي حياتها بسبب (حادث خارجي)..

المخلوق الوحيد الذي لا يموت لأسباب طبيعية هو قنديل بحري يدعى هايدروزون (واسمه العلمي في حال فكرت بالبحث عنه Turritopsis nutricula)، فحين يصل إلى مرحلة الشيخوخة يعكس مراحل حياته حتى يعود مجدداً إلى سن الطفولة ويبدأ عمراً جديداً.. وهذه الظاهرة ليست مجهولة في علم الأحياء ولكنها تنتهي لدى معظم المخلوقات بعد حد معين من التكرار.. غير أن هذه القناديل بالذات تبدو وكأنها تكررها بشكل غير محدود بحيث تصبح «خالدة» من الناحية الطبيعية - ولكنها قد تموت في النهاية بسبب افتراسها من قبل مخلوقات أخرى..

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هناك مخلوقات يمكنها العيش لأعمار طويلة دون الحاجة لعكس أو تدوير مراحل حياتها مثل الهايدروزون.. ففي عالم النباتات مثلاً تعيش شجيرات اللوماتيا لمدة 43 ألف عام (كما يتضح من بقايا عروقها المتحجرة في التربة).. وهناك أشجار متشابكة من فصيلة الحور تعمر لفترات تصل إلى 80 ألف عام، وأطول مجموعة معروفة منها تدعى مستعمرة باندو تعيش في ولاية يوتا الأميركية، وتعد أيضاً أثقل مخلوق على وجه الأرض (باعتبارها مستعمرة حية متكاملة).

أما بالنسبة للمخلوقات الحيوانية فهناك الإسفنج البرميلي الذي يعيش لمدة 2400 عام، والمحار الذي يتجاوز 500 عام، وأسماك الكوي التي تعمر لــ236 عاماً، والحوت مقوس الرأس الذي يعمر لأكثر من 200 عام..

أما فوق اليابسة فهناك سلاحف مدغشقر الذي ثبت عيشها لأكثر من 188 عاماً، والإنسان الذي يمكنه العيش إلى 111 عاماً (رغم أن متوسط عمره في العصر الحجري لم يتجاوز 18 سنة فقط)..

وفي المقابل هناك الفأر الذي لا يعيش لأكثر من سنتين، والنحلة العاملة لأربعة أسابيع، والنمل الطائر لثلاثة أسابيع، وذبابة المنزل 17 يوماً فقط، في حين تعد حشرة مايوفلاي الأقصر عمراً كون دورة حياتها بالكامل لا تتجاوز 24 ساعة..

هذا التباين الشاسع بين أعمار المخلوقات يجعلنا نتساءل عن معنى الحياة، والخلود، وطبيعة البرنامج الذي يتحكم بأعمار الكائنات..؟

هل يعتبر الهايدروزون مخلوقاً خالداً حـين يغير جسده ويعيد تدوير خلاياه؟

هل يمكن لأي مخلوق أن يكون (خالداً) من الناحية البيولوجية، (وفانياً) لأسباب بيئية؟

هل يمكننا إطلاق صفة «الحـياة» على المحار حين يعيش داخل صدفته لخمس مئة عام؟

هل تشعر أشجار الحور بحياتها الطويلة حين تعمر لأكثر من 80 ألف عام؟

هل تبـدو (الأربع والعشرون ساعة) عمراً طويلاً من وجهة نظر حشرة المايوفلاي؟

هل ستنجح الهندسة الوراثية مستقبلاً في عكس حياة الإنسان أسوة بقنديل البحر السابق؟

.. كل هذه الأسئلة ستنتهي بإجابات نسبية وجدلية لن نتفق عليها أبداً.. كل إجابة سنقدمها ستعتمد على (نظرتنا الإنسانية) لمعنى الحياة والخلود والعمر الطويل..

نظرة شخصية وخاصة لا تشاركنا فيها قناديل البحر، وأشجار الحور، وسلاحف مدغشقر.

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض