اخطبوا لبناتكم

بعـد انتهاء صلاة الجمعة في مسجد الحي قـام رجـل مسن وقـال: «يا جماعة لدي في المنزل خمس بنات في سن الزواج، فإن كنتم تعرفون من ترضون دينه وخلقه فزوروني في بيتي.. ومن لا يعرف بيتي فليسأل عنه إمام المسجد»..

ورغـم جراءة الطلب استحق إشادة الحضور، ولم تمر السنة إلا وقد تزوجن كلهن.. كان شجاعاً وحكيماً -وذكياً أيضاً - كونه بهذه الطريقة لم ينقذ بناته من العنوسة فقط بـل رفع فرصة حصولهم على أفضل زوج من بين المتقدمين.

ففي مجتمعنا المحافظ لا تملك البنت خيارات كثيرة بخصوص زوج المستقبل.. نعـم؛ يمكنها (ويمكن لأسرتها) رفض أول وثاني عريس، ولكن بعد (رفض ثالث عريس) تبدأ فرصة البنت في التراجع وتشكيل سمعة برفضها للخطاب.. في مجتمعنا بالذات تتقلص فرص اختيار زوج المستقبل بسبب حالة الفصل الحادة بين الجنسين، الشاب لا يملك غير الموافقة على ما تختاره والدته أو ترشحه شقيقاته.. أما وضع الفتاة فـأسوأ بكثير؛ (لأن الشاب يملك على الأقل فرصة البحث من خلال قريباته)، في حين لا تملك الفتاة غير انتظار من يطرق الباب.. لا يمكنها أن تبحث في بيوت الناس - مثل الشاب - عن زوج المستقبل.. مجتمعها المتحفظ يمنعها حتى من التصريح بالصفات التي ترغبها في شريك حياتها - وتضطر غالباً للموافقة على أول أو ثاني خطيب يطرق الباب.. لا يسمح لها الأهل بالانتظار أكثر كي لا تدخل تحت مظلة العنوسة، وكي لا تحتجز خلفها أخوات أصغر منها سناً..

لهذا السبب كتبت - قبل عامين تقريباً - مقالاً اقترحت فيه إنشاء وتخصيص محركات زواج (شرعية)، توضع تحت إشراف وزارة العدل أو هيئة الأمر بالمعروف، هدفها توسيع خيارات البحث عن شريك المستقبل.. تتعامل بسرية تامة مع رغبات الشباب والشابات، وتبحث في آلاف الطلبات الواردة إليها من خلال برمجيات توفق بين «رأسين بالحلال».. وحين يكتشف البرنامج أفضل «مطابقة» يتواصل الموظف المختص مع الشاب أو الفتاة لتأكيد الطلب، والتقدم لأسرتها رسمياً، (ولفهم الفكرة بشكل أفضل أرجو البحث في النت عن مقال: فلتكن محركات بحث شرعية)..

واليوم أنقل إليكم (وإلى الآباء خصوصاً) فكرة إضافية وجديدة هي تفعيل وتطبيق المثل المعروف «اخطب لبنتك قبل ابنــك».. أن نفعل كما فعل الأب المسن في المسجد بكل شجاعة دون خجل أو تردد (فالخجل أهون بكثير من حالة العنوسة أو القبول بأي طارق)..

ولماذا نتردد أصلاً وهو حق شرعي وسنة فعلها الأنبياء والصالحون من قبلنا.. لماذا لا نعيد إحياءها وقد تزوج بفضلها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين خطبته لنفسها السيدة خديجة التي أرسلت إليه خادمتها نفيسة التي قالت له: يا محمد ما الذي يمنعك من الزواج؟ فقال ليس عندي من المال ما أتزوج به.. فقالت: فإن دعيت إلى المال والجمال ألا تجيب؟ فقال لها: ومن هي؟ قالت له: خديجة ذات الشرف والمال والجمال؟ ففهم وقبل وجعلت خديجة عمها عمرو بن أسد وكيلاً لها - في حين كان وكيل الرسول صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب..

وللحديث بقية أيها السادة..

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض