النظام العربي الإقليمي.. تهديد ونزيف ومواجهة!

زيارة ولي العهد تعكس تقدير القيادة السعودية ومواقفها العروبية والإنسانية مع الشعب المصري منذ عقود وإلى ما بعد ثورتي 25 يناير و30 يوليو، ودعم القاهرة لتعود لموقعها الطبيعي لاسيما في هذا الوقت تحديداً كونها ضرورة استراتيجية لاستقرار المنطقة..

المشهد العربي الراهن يعكس طبيعته وبامتياز، فالواقع يقول إن المشكلات العربية مزمنة بدليل إشكالية إدارة الأزمات/ التحالفات سواء داخل المحيط العربي أو في النطاقين الإقليمي والدولي. غياب الاستراتيجية العربية ساهم في تعميق الشرخ ما وفر الفرص لقوى إقليمية في المنطقة لصناعة عمق استراتيجي لها، فإيران وتركيا وإسرائيل تجد كلاً منها تعمل وفق أجندتها وعبر الضغط في مناطق عربية مجاورة لها أو من خلال تعميق الخلافات والصراعات العربية/ العربية.

ما جرى ويجري في عالمنا العربي يدفعنا للقول وبمزيد من الشفافية إنه ومنذ التحرر من الاستعمار لم يعش العالم العربي حالة من الانكشاف كما يعيشها اليوم. وطن عربي من اثنتين وعشرين دولة، البلاد العربية تواجه تحديات وتختلف من مكان لآخر، ومنها ما هو داخلي وما هو خارجي بعبارة أخرى تتعرض بعضها لعوامل تهديد خارجية، وينزف بعضها الآخر من معاناته المزمنة الذاتية. التوترات الطائفية، قضايا التجزئة والانفصال، الاحتلال المباشر للحدود، فشل المشروع التنموي، التخلف في مجالات العلم والتكنولوجيا، ارتفاع نسبة الأمية، التبعية الاقتصادية، شح موارد المياه وارتفاع نسبة الفقر، حالات التمرد والحركات الانفصالية، التبعية السياسية، هذه هي حال عالمنا العربي فضلاً عن أن الوضع الإقليمي بات يتسم بدرجة كبيرة من السيولة السياسية وتسارع المتغيرات وهي بمثابة تحديات ما يحتم التعاطي معها ومواجهتها ببلورة رؤية استراتيجية لا سيما فيما يتعلق بملفي الأمن القومي العربي ومواجهة الإرهاب.

وفي هذا السياق تكمن أهمية زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمصر التي كانت الأولى له، فبالإضافة إلى عزم البلدين على البناء على ما سبق ووضع تفاهمات وخيارات استراتيجية تخدم مصالح البلدين إلا أن لديهما قناعة في أن التحالفات العربية التقليدية والقديمة لم تعد ذات جدوى لاسيما في صعود قوى إقليمية، ولذلك أصبح التحالف السعودي - المصري مطلوباً لحماية الأمن القومي العربي عبر مواجهة المشروعات التي تحاك ما يخلق حالة من توازن القوى في المنطقة، وبالتالي ضرورة وجود سياسة عربية فاعلة تستطيع أن تملأ الفراغ والتحرك جدياً لإصلاح البيت العربي عبر خارطة طريق تحقق تطلعات الشعوب ومعالجة الأمراض الفتاكة آنفة الذكر التي يعاني منها العالم العربي.

الزيارة تعني بناء تكتل حقيقي قادر على التعاطي مع التحديات الراهنة وترسخ أيضاً فكرة تأمين الدائرة العربية وأن المساس بأمن مصر أو المملكة هو مساس بالأمن القومي العربي، وهي كذلك رسالة للداخل المصري لمن يحاول التشويش على العلاقات الراسخة بين البلدين. أتفق مع الرأي الذي يرى «أن مصر والمملكة تشكلان العمود الفقري لنظام إقليمي عربي مأزوم ويحتاج إلى رافعة لا يقدر على توفيرها سوى تحالف استراتيجي بين البلدين»، وذلك برسم «علاقتهما الثنائية وفقاً لمتطلبات واحتياجات الأمن القومي». توافق الرياض والقاهرة هو بمثابة بناء تحالف عربي والزيارة أسقطت أقنعة أصحاب الفبركات وممن يجيدون ضرب العلاقات وعرقلتها وبيع بضاعة التصيد.

ورغم أن العلاقات السعودية - المصرية قد شهدت بعض سوء الفهم في بعض المراحل إلا أنها لم تدم طويلاً لإصرار القيادات السعودية - المصرية على تجاوز كل الأزمات لقناعتهم الراسخة بأن ما يربط الشعبين والدولتين من منظومة قادرة على الوقوف أمام كل المؤثرات والتهديدات.

الرئيس السيسي دائماً ما يؤكد على مكانة المملكة الروحية ودورها الإقليمي وعمقها العربي وتأثيرها الدولي، ولذا زيارة ولي العهد تعكس تقدير القيادة السعودية ومواقفها العروبية والإنسانية مع الشعب المصري منذ عقود وإلى ما بعد ثورتي 25 يناير و30 يوليو، ودعم القاهرة لتعود لموقعها الطبيعي لاسيما في هذا الوقت تحديداً كونها ضرورة استراتيجية لاستقرار المنطقة.

لا يمكن النظر إلى زيارة ولي العهد بمعزل عن التطورات الإقليمية والتفاعلات الدولية، حيث كانت بمثابة تكريس لمسار العلاقة ما بين الرياض والقاهرة بما فيها من شواهد وخيارات استراتيجية لمصلحة البلدين من ناحية ولمواجهة التهديدات الإقليمية وإيقاف النزيف الداخلي العربي ومعاناته من ناحية أخرى.

بقلم: د. زهير الحارثي - الرياض