المعتاشون على رؤوس الناس

فيما يخص الإبداع والإنجاز، ينقسم الناس إلى مجموعتين.. قـلة تحاول وتجتهد وتبدع، وكثرة سائدة تنتقـد وتتشمت وتعتاش على إنجازات الآخرين.. الفئة الأولى يعود لها الفضل في التقدم والبناء ومحاولة تقديم الأفضل، والثانية يعود لها الفضل في الثبات واختلاق العقبات ومحاولة العودة للماضي.. الفئة الأولى تنسى نفسها وتحمل هـم مجتمعها، والثانية لا تهـتم بغير مصلحتها ومحاولة البقاء تحت الأضواء بأي طريقة..

النـقاد يخشون الانتقال للخـانة الأولى (ليس فقط لقلة الزاد وانعدام الموهبة) بـل لانعـدام الشجاعة والخوف من النقد ذاته.. ويتجاهلون أن المبدعين يستحقون الاحترام لأنهم ــ حتى إن فشلوا ــ يملكون فضيلة الاجتهاد وشجاعة التجربة (وللمجتهد في النهاية أجران)..

ليس عيباً أن يفشل الأفراد المبدعون أثناء تلمسهم طريق النجاح، ولكن من العيب فعلاً أن يستغل أفراد الفئة الثانية هذه الفرصة للتمظهر والاعتياش على محاولاتهم..

يقول المرحوم غازي القصيبي: ثلاثة يعتاشون على رؤوس الناس، القمل، والحلاقون، والنقاد.. ولو عاش لزمننا الحاضر لأدرك أن النقاد أصبحوا في تويتر والواتس أكثر من القمل في الرأس. وفي القنوات الفضائية أكثر من دكاكين الحلاقة.. لاحظ كيف يصمت النقاد (ويختفي محتسبو الأفكار) حتى تظهر أفكار جديدة وإنجازات مميزة يصعدون فوقها ويعـتاشون من تألقها.. يظهرون فجأة كالفطريات بسبب سهولة لعب دور الناقـد والمنظر (في عالم النت الافتراضي) وصعوبة تقديم إبداع حقيقي أو إنجاز غير مسبوق (في العالم الحقيقي)..

أتمنى فعلاً أن ندرك الفرق بين النقد المتخصص ــ من جهة ــ والانتقاد المنفلت من جهة أخرى.. فالنقد فعل غير منحاز يوضح الإيجابيات والسلبيات دون اتهام أو تقريع أو تجريح، في حين أن الانتقاد يهتم أكثر بصاحب القول والتشهير به دون تصويب أو تبيان الحقيقة.. النقـد النزية يبحث في الرسالة والفكرة (ويفترض أن يصدر من شخص متخصص يفوق المبدع علماً وخبرة) في حين أن معظم الانتقادات التي نصادفها اليوم تتهم صاحب الرسالة وتسفه الفكرة دون الاهتمام بتقييمها بشكل منطقي ونزية (وياليتها في النهاية تأتي من متخصصين في مجالهم)...

أنا شخصياً أحاول دائماً الهرب من لعب دور الناقـد حتى بخصوص المقالات التي يطلب مني أصحابها تقييمها عبر الإيميل.. أعرف أن النقد ثقيل على الخاطر، وأن طبيعة الانتقاد تتضمن البحث عن الأخطاء وإبراز الجوانب السلبية في الموضوع.. أدرك أنه حتى في ظل تقيدي بالنزاهة والحياد الفكري يصعب على الآخرين تقبل النقد واختلاف الرأي ــ إلا إن أقنعتني أنت بتقبلك لانتقادات رئيسك في العمل أو نصائح والدك في تربية أبنائك..

أيها السادة.. ليس أسوأ من النقد سوى الانتقاد.. وليس أسوأ من الانتقاد سوى التطاول.. وليس أسوأ من التطاول سوى فعل ذلك بحجة النصيحة والاحتساب لوجه الله..

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض