إلى أين ستأخذنا وفرة المعلومات الهائلة؟

تستغرق مني كتابة هذه المقالة في المتوسط ثلاث ساعات متواصلة ثم ساعة للمراجعة بعد ابتعاد عن النص يدوم خمس ساعات على الأقل. في الماضي كانت المقالة تستهلك مني ساعات أكثر. يعود الفرق إلى وفرة المعلومات وسهولة استدعائها. في كل مرة ألتفت على غوغل أتساءل ما تأثير توفر المعلومات بهذه الكمية المريعة على حياة البشر جميعاً.

أتوقع أن الإنسان سيتقدم خلال الخمسين سنة المقبلة أضعاف ما تقدمه منذ فجر الوعي. لن تجد في كلامي كثيراً من المجازفة إذا التفت إلى نوع حياتك والمعلومات المتاحة لك فما بالك بتأثير هذه الوفرة على العلماء وأساتذة الجامعات والعلماء في المختبرات.

قبل النت كنت أعتمد في الكتابة على أسلوبين؛ الأول أن أبحث عن المعلومة حسب توفر مصدرها في رفوف مكتبي المنزلي، والثاني أسلوب المراوغة. أوظف ذكائي لاستبعاد الحاجة للمعلومة التي طلبتها الفكرة. وإذا كانت المعلومة ملحة وتقع في قلب المقال أتوقف عن كتابة المقال أو أؤجله وأكتب غيره.

كان الكاتب في الماضي في حاجة أن يخزن كمية كبيرة من المعلومات في ذاكرته. أعتقد أن هذه الحاجة هي التي أهلته أن يأخذ لقب مثقف. عندما كان تعريف المثقف يتحدد بغزارة المعلومات التي يحفظها في ذاكرته. على أي حال لن يصبح الإنسان كاتباً دون أن يخزن في رأسه معلومات كبيرة في تخصصه (اقتصادي، رياضي، أدبي.. إلخ). معلومات غوغل لا تتيسر لكل من أراد أن يصبح كاتباً. فائدة غوغل تصبح صفراً إذا لم يملك الكاتب شيئاً أسميه المعلومة الأولية PREREQUISITE knowledge لايمكن أن يستشهد الكاتب الرياضي بمباراة جرت في إنجلترا قبل سبع سنوات إذا لم يكن يعرف أنها جرت. غوغل يساعده على تذكر اسم اللاعب الذي سجل الهدف أو اسم حكم المباراة.. إلخ. لا يذكره بشيء هو لا يعرفه أصلاً. الناقد الذي يريد أن يتحدث عن الشعر الشعبي السعودي لن يكون بميسوره أن يكتب عن الشعر الشعبي دون أن يتوفر في ذاكرته معرفة كبيرة بالشعراء وبعض جوانب الحياة المتعلقة بهذا الشعر. عندئذ يأتي غوغل ويسد الفراغات.

معلومات غوغل (الهائلة) أو حتى المراجع التقليدية هي مساندة لما يعرفه الكاتب أو المهندس أو الطبيب أو الميكانيكي.. إلخ. كلما زاد مخزون المحترف من المعلومات زادت المعلومات التي سيحصل عليها من غوغل.

حتى الآن وأنا أتكلم عن المعلومات التي يحتاجها المهني لرفع كفاءة عمله. ثمة معلومات أخرى تتدفق اليوم أهم وأخطر. معلومات سوف تغير وعي الإنسان إلى الأبد. لا تسمح المساحة للحديث عنها. اسمحوا لي أن أؤجل هذا الأمر لفرصة مقبلة.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض