في كـم عالم افتراضي سنعـيش؟

شاعر صعلوك لا أتذكر اسمه قال: إذا تمنيت بت الليل مغتبطاً ....إن المُـنى رأس مال المفاليس

وهـذا لوحده دليل على أن الأماني والتخيلات بمثابة «واقع افتراضي» مارسـه الإنسان منذ الأزل.. فحين نريد الهرب من واقعنا الصعب ندخل في أحلام يقظة وخيال جميل نخلقه بأنفسنا..

واليوم أصبحنا نعيش في عصر أغـنتنا فيه تقنية «الواقع الافتراضي» عن الحلم والتخيل. وهي - لمن لا يعرفها - تقنية حاسوبية تولد بيئة بصرية وحسية تخدع حواسنا البشرية.. تستحوذ على حاسة البصر وتخلق أصواتاً وتحركات وأحاسيس تُـشعرك أنك داخل الحدث فعلاً.. وكلما ارتفع مستوى المحاكاة البصرية والحسية، كلما شعرت أنك تعيش في عالم مختلف ولكنه حقيقي (في حين أنك لم تغادر غرفتك)..

ومقال اليوم لا يتحدث عن التقنية نفسها، بــل عن مجالات استخدامها من قبل الناس العاديين..

وأقول «العاديين» لأنها تستعمل منذ وقت طويل في تدريب الجنود (بوضعهم في واقع افتراضي يحاكي أرض العدو) وتعليم الطيارين (بوضعهم في واقع افتراضي يحاكي كابينة القيادة ومشاهد الإقلاع والهبوط).. غير أنها نزلت اليوم من عليائها وتحولت إلى سلعة ذكية يتداولها الناس لأغراض مختلفة..

وكما حدث مع تطبيقات الجوال ستنمو برامج الواقع الافتراضي وتتضخم بمرور الأيام، وتقتحم مجالات جديدة عاماً بعد عام..

وفي حين يصعب علينا تخمين «العـوالم الافتراضية» التي ستظهر مستقبلاً، يمكنني إخباركم بستة استعمالات مؤكدة سنسعد بها قريباً:

أول هذه العوالم - وأكثرها شعبية - عالم السياحة والتجوال.. فبفضل تقنية الواقع الافتراضي ستتمكن من زيارة معظم دول العالم (والاندماج فيها بصرياً وسمعياً وحسياً) دون دفع قيمة التذكرة والفندق..

أما المجال الثاني (وبحسب أكثر المواقع زيارة على الإنترنت) فسيكون الواقع الإباحي وإمكانية التفاعل مع الجنس الآخر.. وأترك لكم تخمين طريقة التفاعل والاندماج..

أما المجال الثالث فسيكون الالتقاء مع أحبائنا الأموات.. فـتقنية الواقع الافتراضي ستتيح لنا رؤيتهم والحديث معهم من خلال برامج ذكية تحاكي ملامحهم وتصرفاتهم وأصواتهم (بــل وحتى استشارتهم وأخذ آرائهم بناء على ما يعرفه البرنامج عنهم)..

أما المجال الرابع فسيكون تواجدك (داخل) الأحداث التاريخية العظيمة.. ستسافر عبر الزمن لتشاهد معركة اليرموك، وتسمع خطبة الوداع، وترى انفجار هيروشيما، وتتواجد في المكسيك عام 1970 لحضور نهائي كأس العالم بين البرازيل وإيطاليا..

المجال الخامس ستكون الألعاب والسينما والترفيه المنزلي.. ستندمج (داخل) ألعاب الفـيديو وتشارك بأحداث الفيلم وتخوض منافسات حقيقية مع أبطاله.. ستشعر بحركة الديناصور، وتشم عطر الممثلة، وتشعر بحرارة الانفجار وبرودة الجليد وغبار الصحراء.

أما المجال السادس فسيكون التعليم والتدريب حيث سيتمكن الطلاب من زيارة الفضاء، والغوص تحت الماء واستكشاف غابات الأمازون.. سيستخدم الواقع الافتراضي لتدريب الجراحين والرياضيين ورجال الشرطة ورواد الفضاء وزيارة الشهود لموقع الجريمة.

.. باختصار شديد؛ كل ما يمكنك تخيله حين تغمض عينيك (ويتمناه شاعرنا قبل النوم) يمكن للتقنية الافتراضية تحقيقه بمستوى عالٍ من الدقة والواقعية في أيامنا الحالية.


بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض