أنصفوهم ولو كانوا بقبورهم!

يعجبني في مصر وفاءهم لكل مبدع بالفن بجميع تشكلاته؛ بالتأليف بالرواية والقصة أو أي نشاط يتماس مع الثقافة، بتجديد ذكرياتهم في أي مناسبة، عكس مالدينا ممن ساهموا في البدايات الأولى في نشأة الثقافة وبجهود ذاتية خالصة حيث لم يسبقهم رواد وأساتذة يتتلمذون عليهم ممهدين الطريق للأجيال اللاحقة..

مثلاً من يعرف من رواد الشعر (مقبل العيسى، وناصر بوحيمد ومحمد حسن فقي، أو صاحب ديوان «أنشودة الحزن» محمد المشعان) وفي الرواية والقصة، حامد دمنهوري وإبراهيم الناصر، أو عبدالرحمن الشاعر صاحب "عرق وطين" ومسرحيته «آخر المشوار» التي قام بدور بطولتها الفنان الكبير المرحوم محمد العلي، ومن يتذكر الفنان التشكيلي الرائع عبدالحميد البقشي أبهر الأميركيين برسوماته؟!

لست ممن يبكي على أطلال الثقافة، غير أنه من الوفاء، إعادة الاعتبار لهؤلاء الرواد الذين تجاهلتهم، -مثل غيرهم في مناطق أخرى-، الأندية الثقافية، ووزارة الثقافة والإعلام، ثم لماذا لا تعاد مؤلفاتهم ويحلل النقاد تلك الأعمال، وهل نجد بين مكتباتنا، أو مدارسنا، أو شوارعنا ما يسجل بأسمائهم تخليداً لذكراهم، وربطهم بالأجيال اللاحقة عن تجاربهم والدور الذي قاموا به خلال مرحلة البدايات للتأسيس الثقافي؟

أعرف أن المثقف والمبدع في بلداننا العربية، إذا لم يحارب وينفى، فإن تجاهله هو النهاية لمشواره، وهذا ناتج عن صور متلاحقة؛ أن هؤلاء دائماً في صفوف المعارضين، وكأنه لا يوجد بتراثنا العربي، ممن نتداول أسماءهم ممن وُصِموا بالزندقة والمجون، وبيع بضائعهم للخلفاء، أو من يعطون الدنانير، ومع ذلك لم تسقطهم الأزمنة باستعارتهم في مختلف المناسبات، والاستشهاد بهم..

أنا على يقين أن المسؤولية تقع على الجميع، وأفهم أنه لولا شهرة الأستاذ عبدالله القصيمي، وعبدالرحمن منيف ممن حملوا جذور هذه الأرض لما تذكرهم إلاّ بضع مثقفين، ومع ذلك أعتقد أن كل من ساهم في دور شخصي أو جماعي في بلدنا، لابد أن يأخذ حقه المعنوي، لأنه جزء من تاريخ لم ندونه بسبب قصورنا، وعلينا أن نفهم أن المثقف أياً كان اتجاهه، لن يكون محايداً أمام تراكم الأخطاء لأن نزعته الأخلاقية تجبره على خوض معارك قد يكون ضحيتها، وخاصة ما يتعلق بالوطن وسلامته فرسالته أن يكون جزءاً من نسيج اجتماعي تتصارع داخله جميع العوامل..

في فرنسا، عندما هاجم «سارتر» حكومة (ديغول) طلب منه بعض أعضاء الحكومة تقديمه للمحاكمة، أو سجنه، فرد ديغول هل أسجن ضمير فرنسا؟! إجلالاً لدوره في تشكيل الرأي العام حول مشروعه الفلسفي؟..

مرة أخرى من ذكرت أسماءهم ليسوا وحدهم من لعب دور تأسيس ثقافتنا، فهناك من تغيب عنهم الذاكرة، لكن أعيد وأقول، إن إنصاف هؤلاء حتى لو ذهبوا لبارئهم، فإنهم أمانة في أعناقنا أن نضعهم في دائرة اهتمامنا ونعيد لهم ماتجاهلناه ونسيناه عنهم..

بقلم: يوسف الكويليت - الرياض