التقدم حق الإنسان الأضعف لا اقتصاد مزدهر فقط

في السنوات الأخيرة طرح المجتمع السعودي ما يعرف بالتنوع وحق الاختلاف. دفع هذا الطرح إلى الحديث عن الحريات والحقوق العامة والفئوية والفردية. اقتصر معظم هذا الطرح على التنوع في الاتجاهات والمذاهب والعادات.

كتبت مرة مقالاً طرحت فيه ملاحظة صديق على مدينة تورونتو. لاحظ صديقي كثرة المعاقين وفاقدي البصر في شوارع تورنتو مقارنة بشوارع الرياض. بقليل من التأمل اكتشفت أن المسألة تعود إلى استعداد كل مدينة ومدى تأهيلها لاستيعاب سكانها المتنوعين. كل إنسان له حاجات تختلف عن الآخر. هذه الحاجات تتنوع. حاجات روحية كدور العبادة وحاجات مادية كنوع المأكل والمشرب وحاجات جسدية. من يعيش في مدينة غربية سيسعد بأكبر قدر من تلبية احتياجاته مهما شذت. اختفاء أصحاب الاحتياجات الخاصة عن شوارع المدن السعودية يعود إلى أسباب كثيرة بينها عدم استعداد المدينة لاستيعابهم في أماكنها العامة.

اليوم بعد أن حسمت المعارك الفكرية والدونكوشوتية بدأنا نلتفت إلى تحسين الحياة السوية. صرنا نفكر بجدية في الاقتصاد وطرق الكسب والتعليم والفنون والشعور بالمسؤولية وهذا الأخير مربط الفرس. لن يكون شعوراً بالمسؤولية إذا لم يحصل أضعف فئات المجتمع على حقوقهم.

تؤكد كلمة الاحتياجات الخاصة والظروف الخاصة أن هؤلاء لهم مطالب على المجتمع تخصهم ليعيشوا عيشاً سعيداً وكريماً على نفس الدرجة التي يعيشها أصحاب الاحتياجات العامة. صرف الإعلام كمية هائلة من الأصوات دفاعاً عن الحريات والحقوق الثقافية المختلفة وحقق نجاحات كبيرة. اقتنع المجتمع أن الناس مختلفون ولهم الحق في العيش على اختلافاتهم. كانت مهمة صعبة جداً لكن عدالتها جعلتها تنتصر. معركة الرقي بحياة أصحاب الاحتياجات الخاصة وأصحاب الظروف الخاصة ستكون أصعب وأسهل في نفس الوقت.

كان المتصارعون في المعارك الفكرية ينتمون للفئة التي يتحدثون باسمها. كانت معاركهم تنطوي على الحسنيين. دفاعاً عن العدالة ودفاعاً عن الحقوق الذاتية. الدفاع عن حقوق أصحاب الاحتياجات الخاصة وأصحاب الظروف الخاصة أسهل من جهة أن المجتمع أو المسؤول سوف يساندها لكنها أصعب لأن معظم المحامين فيها عملهم تطوعي وليس جبرياً.

يزيد الحديث عن أصحاب الاحتياجات الخاصة عن الحديث عن أصحاب الظروف الخاصة. (مجهولي النسب وفتيات الرعاية والسجناء) إلخ. باطلاعي على بعض القوانين السعودية التي تنتصر للفئتين وجدت أن المملكة متقدمة في هذا المجال. لكن بعض هذه القوانين يحتاج إلى تطوير (بعضها صدر قبل عشرين سنة). والأهم من ذلك دفع المجتمع ليتحمل مسؤوليته. إعادة بناء نظرته لبعض الفئات كمجهولي النسب وبنات الرعاية ودفعه لتنويع صدقاته وتبرعاته لتشمل هذه الفئات. عندما يحصل الإنسان الأضعف على حقوقه عندئذ نقول إن هذا المجتمع متقدم.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض