وطن في مسار البناء والتحديث!

قرار ضرورة التحول قرار إستراتيجي ومفصلي اتخذته القيادة لأنه يعني السيرورة كدولة وتثبيت سلطة الحكم وتعبيد الطريق للأجيال القادمة..

المملكة في قلب الأحداث والاسم الأكثر حضوراً في وسائل الإعلام وليس من قبيل المبالغة القول: إن بلادنا تعيش لحظات استثنائية وتحولات غير مسبوقة. تأتي ذكرى البيعة هذه الأيام كمناسبة وطنية نعزز فيها الانتماء والولاء والحب لهذا الوطن الكبير من خلال ترسيخ العلاقة المميزة ما بين القيادة والمواطن وتجعلنا نتأمل بحق منجز المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز رحمه الله الذي صنع تجربة وحدوية غير مسبوقة في عالمنا العربي. تجربة تجاوزت التصنيفات والمسميات، ورسمت لوحة بانورامية لوطن يؤمن بوحدته وأطيافه وتعايشه، حيث تلاشت النوازع الفئوية والانتماءات الضيقة.

حري بنا أن نكرس في هذه المناسبة قصة تلاحم ما بين القيادة والشعب كشفتها مواقف وأحداث ليست ببعيدة عنا، لتؤكد أن الوطن غال، وأن اللحمة ما بين هذا الشعب لا يمكن المساس بها، ولن نفرط في ديننا وقيادتنا وخيراتنا ومكتسباتنا وأمننا واستقرارنا. رسالة كنا ولا زلنا نرددها في كل مناسبة وطنية ولذا كان من الطبيعي أن تنضج التجربة السعودية عبر التاريخ لتجسد استقراراً سياسياً في ظل معطيات وتحولات في منطقة لم يعرف عنها الاستقرار.

تمضي السعودية في حياتها الاعتيادية بانسيابية رغم ما يحيط بها من أحداث ومخاطر وتسير بثبات إلى الأمام بدليل استشراف المستقبل الذي يكرسه الملك سلمان مراعياً الاستحقاقات القادمة. خلال الأشهر الماضية بادرت الدولة باتخاذ قرارات تاريخية وصعبة لمن يستوعب أبعادها منها ما هو داخلي وما هو مرتبط بملفات خارجية بهدف حماية أمنها واستقرارها ومصالحها العليا. تبين أن القرار السياسي كان ولا زال يهدف لتأسيس دولة حديثة وراسخة عبر المحافظة على المكتسبات ودمج الكفاءات والقدرات لخلق صيغة موائمة تقود البلاد لبر الأمان.

الدور الذي يصنعه ولي العهد الأمير محمد سيكون بصمة تاريخية في جبين هذا الوطن. قرار ضرورة التحول قرار إستراتيجي ومفصلي اتخذته القيادة لأنه يعني السيرورة كدولة وتثبيت سلطة الحكم وتعبيد الطريق للأجيال القادمة. في عوالم المجتمعات عادة ما تأتي مطالب التغيير من الطبقة الوسطى غير أن الدولة في الحالة السعودية تجدها أكثر تقدماً من المجتمع كونها هي التي تسحب المجتمع للأعلى وليس العكس على اعتبار أن الإنسان هو غاية التنمية ومحورها.

وفي هذا السياق ترى أن توجّه السياسة السعودية منذ تأسيسها وتحليل خطاباتها ومواقفها يلحظ نزوعها للتأكيد بأنها هي قلب الإسلام ومهد العروبة بما تملكه من إرث تاريخي، ومنظومة قيم ومقومات وقدرات، فضلاً عن كونها جزءاً من هذا العالم الذي لا تستطيع الانفصام عنه، كونها لا ترضى بمقعد المتفرج والعالم من حولها يتغير. الحضور السعودي اللافت لم يأت من العدم بل من خلال مراحل تراكمية وهي التي تبادر لملء الفراغ رغم العراقيل. صارت توجهات السياسة السعودية الخارجية ترتكز على توسيع آفاق التعاون السياسي والاقتصادي مع دول العالم، وتربطها صداقات مع الجميع منطلقة من مفاهيم الاعتدال والعقلانية، ما شكل لها نموذجاً في فكرها السياسي.

الشعور الذي يكتنف كل مواطن ومواطنة اليوم يعكس الطمأنينة التي تعم البلاد وحالة الأمن والاستقرار رغم ما يموج حولنا من صراعات وأحداث. الملك سلمان وهو الخبير بخفايا تاريخ المنطقة ومستوعب لمعادلاتها وتوازناتها ومدرك لحساسية الجغرافيا وتعقيداتها لديه قناعة راسخة لا يلبث أن يكررها دائماً في أن الأفعال هي التي تتحدث عوضاً عن الأقوال، ودائمًا ما يؤكد على ثوابت الدولة وأن هذه الدولة قامت على سواعد الأجداد فصنعوا الوحدة وحافظوا عليها مشدداً على تعزيز الوحدة الوطنية مؤكداً أننا جزء من هذا العالم ولدينا تحديات وعلينا مواجهتها بشجاعة. السعوديون وهم يحتفون بمرور ثلاثة أعوام على تسلم الملك سلمان مقاليد الحكم يؤكدون ولاءهم لقيادتهم وتمسكهم بوحدتهم الوطنية لا سيما وهم موقنون بحجم التحديات والمخاطر المحدقة ببلادهم وتستمر بلادنا بقيادتها في إكمال المسيرة والمضي قدماً في حركتها الدائبة في البناء والإنجاز والتنمية لتحقيق تطلعات الإنسان السعودي.

بقلم: د. زهير الحارثي - الرياض