ما بعد الإدانة.. هل الحل في الإستراتيجية؟

كثيراً ما حاول نظام طهران الادعاء بعدم صحة تدخلاته في الدول العربية ومن بينها اليمن، حيث يتواجد فيه عسكرياً بالخبراء والصواريخ ولم تعد تبريراته تلقى رواجاً في العالم..

أدان تقرير الأمين العام للأمم المتحدة تسليح إيران للمليشيات الحوثية، وجاءت مندوبة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة نيكي هيلي بالبراهين القاطعة والصور متهمة إيران بتزويد أذرعها ووكلائها في المنطقة بالأسلحة الخطيرة. الأدلة الموثقة عن تورط طهران هو انتهاك فاضح لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بدليل تطويرها الصواريخ الباليستية ونقلها لليمن، في حين طالبت السعودية المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ إجراءات فورية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن ومحاسبة النظام الإيراني على أعماله العدوانية كون تدخلاتها ودعمها لمليشيات الحوثي يهدد أمن واستقرار المملكة والمنطقة.

كثيراً ما حاول نظام طهران الادعاء بعدم صحة تدخلاته في الدول العربية ومن بينها اليمن، حيث يتواجد فيه عسكرياً بالخبراء والصواريخ ولم تعد تبريراته تلقى رواجاً في العالم، وأصبحت ردوده مكررة ومستهلكة، جاء الإعلان الأميركي الصريح ليقول لطهران بوضوح: لقد طفح الكيل، المسار يبدو الآن يتجه لتشكيل تحالف بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة نفوذ إيران في الشرق الأوسط، قالت هيلي: "لدينا دليلان يظهران أن هذه الصواريخ صنعت في إيران وأرسلت إلى الحوثيين في اليمن، ثم أطلقها الحوثيون بهدف قتل المئات من المدنيين في السعودية". أكدت أيضاً أن "إيران ترسل صواريخ موجهة وقصيرة المدى، وطائرات من دون طيار لديها تأثير مدمر، وبحراً هناك زوارق تستخدم كزوارق مفخخة لاستهداف سفن كبرى". وأضافت بلغة حازمة "إيران تعتقد أن لديها ضوءاً أخضر لتستمر فيما تفعله، ويجب أن نقول لها إن ذلك غير مسموح، لأننا وصلنا إلى قناعة بأنه لا توجد جماعة إرهابية في الشرق الأوسط ليس لها ارتباط بإيران". ولاحظت هيلي أن "إيران كانت تختبئ خلف الاتفاق النووي، وتقوم بكل ما تريد، بينما كنا جميعا نركز على الاتفاق، إيران أساءت فهم هذا الاتفاق، وبدأت تستغله لتوسيع نفوذها والإضرار بحلفائنا في الشرق الأوسط، في النهاية الاتفاق النووي لم يحسن أي شيء في الملف الأمني الذي يخصنا"، أوردنا معظم تصريحات السفيرة الأميركية لأنني أتصور أنه يستدعي التوقف عنده ملياً، وما ذكرته إزاء إيران في تقديري يُعد الحديث الأهم منذ قدوم الإدارة الأميركية الجديدة للبيت الأبيض لأنه موثق ومركز ومباشر.

إدارة ترمب جاءت تحت عنوان كبير هو محاربة الإرهاب وهي بصدد إعلان الإستراتيجية لمحاربته ودعم الحلفاء وفضح ومعاقبة من يدعمونه، واللافت أن إدارة ترمب أصبحت تسمي الأشياء بأسمائها والعقوبات على الطاولة والخيارات مطروحة ومفتوحة.

الأدلة الأميركية الدامغة بتورط طهران في عملية الصاروخ الذي أرسل للرياض فضلاً عن تهريب الأسلحة والمواد المتفجرة لليمن يكشف دموية النظام الإيراني وغريزته المندفعة لتحقيق أطماعه في عالمنا العربي الذي لا زال يتعرض لمشروع صفوي تفتيتي تدميري غير مسبوق، ولذا كان من الطبيعي أن يستشعر المجتمع الدولي بحقيقة التهديد الذي يشكله نظام طهران وقد يُجبر النظام الإيراني على إعطاء الأولوية للمصالح الداخلية على حساب الأيديولوجيا الثورية التي تم تصديرها لزعزعة أمن واستقرار الدول.

ومما يثير الاستغراب ومع اقتراب ملفات المنطقة لحلول بتوافق دولي تسعى إيران لضمان وجودها ونفوذها في تلك الدول التي دمرتها عبر تثبيت أمر واقع، ومع ذلك تبقى محاولاتها مصيرها الفشل لا سيما بعد انكشاف مشروعاتها وتبلور مزاج دولي بضرورة مواجهة الإرهاب ما يجعل معاناة إيران تتفاقم بدليل ظهور أدلة وبراهين من أطراف مختلفة تُدينها. الحقيقة أن هناك من يرى أن بناء حصن للهوية العربية والقومية في اليمن والعراق ولبنان وسوريا بات ضرورة لمواجهة النفوذ الإيراني عبر اختراق كل المكونات؛ لأنه لا يوجد حقيقة ولاء في تلك الدول للفكر الشيعي الثوري في إيران وإنما لأسباب ومنافع مادية واقتصادية بحتة.

الآن وبعد ما تبين كل شيء فإن المجتمع الدولي معني بالتصدي بقوة أكبر للتهديد الذي تشكله إيران، وبما يكفل الامتثال لقرارات الأمم المتحدة، فالمسألة ليست تنديداً واستنكاراً بقدر ما هي مرحلة تجب أن توازي مستوى خطورة الأفعال التي تمارسها طهران، وأن تكون الضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية أولى الأدوات المستخدمة لمحاسبتها، ناهيك عن إستراتيجية ترمب التي تقوم على إستراتيجية هجومية، ما يعني استباق حصار نفوذها.

بقلم: د. زهير الحارثي - الرياض