الخطاب الملكي تحت القبة الشورية

تتجه الأنظار غدا الى مجلس الشورى اذ يتطلع الجميع للاستماع لخطاب ملكي سنوي عندما يحل ملك البلاد ضيفا على المجلس التشريعي حيث يتناول فيه سياسة المملكة الداخلية والخارجية. هذا يعكس ثقة القيادة بالدور المنوط بالسلطة التشريعية ويعزز سمة التواصل ما بينهما ويكرس دور المشاركة الشورية (البرلمانية) ضمن مسار فاعل لإنضاج التجربة البرلمانية. الخطاب الملكي السنوي يستند الى المادة (14) من نظام مجلس الشورى وسيتعرض لاهم الملفات الداخلية والخارجية وتأكيد مواقف المملكة إزاء الاحداث فضلا عن استعراض جهود الدولة وما قامت به على كافة الصعد من تنموية واقتصادية واجتماعية وانسانية. كما سيتم التأكيد على ثوابت الدولة ومحاربة الإرهاب والفساد وتحقيق تطلعات المواطن، والعزم بالمضي قدما في مشروعات الدولة التنموية عبر رؤية 2030 والتنويه بمحددات السياسة الخارجية للمملكة التي تدعم الامن والسلم الدوليين وأنها لا تتدخل في شؤون الآخرين ولكنها لا تسمح لأي أحد كان في التدخل في شؤونها الداخلية وهي مع الانفتاح والتسامح والتعايش مع دول العالم مع عدم الانعزال، ومع التواصل مع دول العالم.

المملكة مستهدفة وهناك تقاطع مصالح بين أطراف معروفة تدفع باتجاه تشويه سمعة المملكة ورغم كل ذلك لا تزال السعودية مستمرة في نهجها وتطورها بهدوء، رغم سخونة ما يدور حولها، من خلال سياسة متأنية إدراكًا منها بضرورات الدولة والمجتمع.

خلال العام الفائت وفي الشأن الداخلي بادرت الدولة باتخاذ قرارات تاريخية وكبيرة منها ما يتعلق بالداخل ومنها ما هو مرتبط بملفات خارجية. تبين ان القرار السياسي هنا ينطلق من رؤية مستقبلية من خلال المحافظة على المكتسبات ودمج الكفاءات والقدرات لخلق صيغة مواءمة تقود البلاد لبر الأمان.

نعيش لحظات استثنائية وتزامن ذلك مع بلورة منظومة تحول غير مسبوقة تهدف لإصلاح جذري أي إنتاج وعي ثقافي وتنموي في المنظومة الاجتماعية. روح جديدة نلمسها وإرادة جادة انطلاقا من استشعار القيادة بحجم الأمانة وعظم المسؤولية، والسعودية أمامها تحديات سواء في الداخل أو الخارج. يحسب للقيادة السعودية ادراكها لأهمية وجود أدوات مؤسسية تمكنها من اتخاذ القرار المناسب، وهي في ذلك تبلور رؤية شاملة للسياسات الداخلية والخارجية على قاعدة تحليل الأحداث والظواهر واستقراء التطورات المستقبلية من أجل حماية مصالحها العليا.

التلون المذهبي والثقافي والاجتماعي والرصيد التاريخي لبلادنا وإرثها الضخم وقيمها وطبيعة العقد الاجتماعي ما بين القيادة والمواطنين عوامل ومقومات مهمة لا بد من استثمارها. هذا الكيان يجب ألا نفرط فيه خاصة في ظل ما نشاهده اليوم فيما يجاورنا من دول وهنا تكمن أهمية تغليب مصلحة الوطن على المصالح الفئوية والمناطقية والقبلية والمذهبية، وألا تكون هناك مساومة أو مزايدة على الوحدة الوطنية كونها خطاً احمر لا يجوز المساس به.

حين التعاطي مع الشأن الخارجي ونظرا لمكانة المملكة فانه بات ملحوظا سلوك النهج العقلاني والمواجهة المباشرة وفهم قواعد اللعبة والانخراط فيها وهذا يفسر بوضوح الحضور السياسي السعودي ومواقفه وتواجده والسبب يعود لمنظومة قرارات وتعاون ما بين أجهزة الدولة ومجلس الشورى عن طريق تفعيل الدبلوماسية الشعبية او البرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني والاتجاه بإيجاد مراكز بحثية على مستوى عال تتنبأ بما هو قادم وتقدم المشورة وتساهم في ترشيد القرار السياسي فضلا عن خلق لوبيات في الدول والمواقع المؤثرة وتعيين كفاءات بشرية قادرة على التفاعل والإنتاجية وإنشاء غرفة عمليات في الوزارات المهمة تنسق فيما بينها فترصد ما يجري وتوفر المعلومة الدقيقة وذلك لمواجهة الهجمات المسيسة. هذه الرؤية السياسية ستكون شاملة تستبق الاحداث وتحبط المخططات بأدوات وأساليب جديدة وهي مهمة غير يسيرة ولكنها ليست مستحيلة. الخطاب الملكي الذي سيُفتتح به أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى سيتضمن رؤى ودلالات مهمة وهي بمثابة خارطة طريق تستلهم منه لجان المجلس برنامجها لعام كامل تترجم فيه مضامين الخطاب الملكي وما يحقق تطلعات المواطنين.

حضور الملك لمجلس الشورى هو لتعزيز المشاركة البرلمانية في صنع القرار، ومواكبة التوجهات العالمية المعاصرة ما يعني تفعيلا للحضور السعودي على المسرح الدولي بما يليق بمكانة وثقل المملكة.

بقلم: د. زهير الحارثي - الرياض