محاولة فهم..

الأسابيع الماضية كانت احتفالاً سعودياً عالمياً حين ضجت وسائل الإعلام بفتح الصفحات والشاشات ووسائل التواصل الحديثة، تحكي قصص حق المرأة في قيادة السيارة وتمكينها العمل في مجالات كانت وقفاً على الرجل، ثم جاءت الصاعقة الكبرى بمكافحة الفساد بسجن رموز كبرى، أمراء ورجال أعمال وتجاراً ومسؤولين ووزراء وغيرهم.

الانتشار الإعلامي العالمي الذي جعل المملكة محور الحدث لم يكن تظاهرة قصد بها لفت الرأي العام، وإنما اتجاه بلد للقضاء على أخطر سلوك هدد أمننا ومستقبلنا بجعل الفساد مبدأ للكسب الحرام، ولعل «ساطور» الدولة الذي ابتدأ بقطع الشرايين وتعزيز دورها، وجعل التشريع سيد القوة في الفصل بين المباح والمحرم، هو الطريق للمسار المستقيم وعكسه..

كانت الإشارة لكلمة فساد محرمة تجسد معنى الدولة، وكانت الحساسية منها أن بقيت بذهن المواطن، ولم تغب عن الدولة، فكان لابد من خيار ترك استشراء الفساد وما يلحقه من تبعات كبيرة، أو القضاء عليه بالرصد والتقصي وجمع المعلومات من مختلف المصادر، وهي العملية السرية التي وصلت إلى حدود السنتين في فتح الملفات والوصول إلى الوثائق التي أحدثت صدمة هائلة، جعلت الملك سلمان وولي عهده، يتخذان القرار الأصعب في مراحلنا المتعاقبة، فكان خياراً شجاعاً، قيمته أنه لم يحدد من تصدق عليه التهمة، ومن تنتفي عنه لصفته المعنوية أو العائلية، أو مركزه في الدولة، فأصبح الجميع تحت مجهر الحقيقة وعدالة الشرع..

هذه المبادرة، لا أعتقد أنها طالت البلدان العربية، والتي تعمق فيها الفساد بأن تتخذ مثل هذا القرار، حتى أن مواطنين في أكثر من بلد عربي تمنوا تجسيد شخصية الأمير محمد بن سلمان بأكثر من إنسان حتى تتلاقى القرارات والأهداف مع بعضها، ويكون جذر الإصلاح يخرج من قمة السلطة باعتبارها الذراع الأقوى، والأكثر تمريراً للقرارات الصعبة..

المفارقة، أنه إذا كان الإعلام الدولي، على مختلف توجهاته، البعض أنصف المملكة، والآخر دس عليها صوراً مزيفة، فإن الشكل العام أعطانا حجمنا ودورنا الإسلامي والدولي، وعلى النقيض، ولمجرد استقالة سعد الحريري من رئاسة وزراء لبنان، فتحت علينا زوابع الإعلام اللبناني والمتحالف معه من إيرانيين و«متأرننين» من عرب «السلفة المستديمة» من هبات ورواتب، فكنا صورة مغايرة لما أحدثه الإعلام الخارجي، لنكون مجرد هامش إنسان لولا النفط لكان بدويا شاردا بصحرائه يقتات على أعشابها وحشراتها وفقاً لإعلام من نسميهم الأشقاء العرب!!

الموضوع لا يسجل كموقف سياسي، أو حتى طائفي، وإنما تراكم أحقاد قادها إعلام اليسار ثم المذهب الديني، فاستلاب الهوية، والبحث عن عدو من الجيران، وهذه مجرد صورة العربي مع نفسه، ومثلنا المحلي خير من يجسد المعنى بقوله «من يحزّم الكرب»؟!! لانزلاق الواحدة عن الأخرى، وهذه الحرب لا تضيرنا لأننا ندرك ما نعمل وما يقرره مستقبلنا تاركين لغيرنا نواقص الذات وأزماتها..

بقلم: يوسف الكويليت - الرياض