لماذا نتعلم أكثر ممن يختلفون معنا

نـرتاح مع أصدقائنا ومن يوافقنا الرأي ولكننا نتعلم ممن يعارضنا ويخالفنا الرأي.. حين تقضي حياتك مع أصدقائك ومؤيديك لن تتعلم شيئاً جديداً كونك لا تلقى غير التأييد ولا تسمع غير ما تريد.. وبمرور الزمن (واستمرار الموافقة والتأييد) تزداد قناعاتك رسوخاً وأفكارك تطرفاً رغـم احتمال خطئها منذ البداية..

وفي المقابل تتعلم الكثير ممن يختلفون معك لأنهم إما يصححون معلوماتك أو يثرون أفكارك أو يخففون شطوح معتقداتك - وحتى حين يكونون على خطأ، تتأكد من خلالهم أنك على صواب...

كان القائد الفرنسي نابليون يحيط نفسه بنخبة من الجنرالات الذين يشاركونه الرأي وحـلم السيطرة على أوروبا.. الاستثناء الوحيد كان جنرالاً يدعى فايندام كان يعارضه في كل شيء - وبطريقة جريئة لا تخلو أحياناً من التطاول.. ومع هذا كان يرفض إقالته ويقول لمن يحثه على ذلك: كيف أقيل الشخص الوحيد الذي يكشف لي أخطائي وينبهني لتهور قراراتي..

... وكما هو حالنا مع أصدقائنا ومعارضينا، ينطبق الشيء ذاته على الكتب والمصادر التي نتطلع عليها.. فـإن كنت لا تقرأ سوى ما ينال رضاك ويتفق مع ثقافتك فلن تتعلم شيئاً جديداً.. بل على العكس ستزداد رسوخاً وتشدداً بمرور الأيام رغم ضيق مصادرك ومحدودية اطلاعك.. ولكن حين تتنوع مصادر المعرفة تمنح نفسك فرصة الاختيار والتقييم (والغربلة) وتخرج بمحصلة شخصية فريدة تخصك وحدك.. تخرج في النهاية بموقف مستقل وقناعة ذاتية ورأي شخصي لا يملكها من يكتفي بمصدر وحـيد لا يعرف غيره ولا يتصور إمكانية مخالفته (بـل ويضعه في موضع المقدس، ومن يخالفه في موضع المارق)..

كنت في طفولتي أبحث عن الكتب الممنوعة والمحرمة وأقرأها سـراً.. وذات يوم وجدت كتاباً بعنوان "كتب حذر منها العلماء" اكتشفت أن معظمها كتب تفتح الذهن وتوسع المدارك.. وحتى اليوم مازلت (حين أجد وقتاً لفتح اليوتيوب) أتنقل بين شتى الآراء والأفكار والمواقف المتصادمة.. أصبحت أملك مناعة ضـد الجميع، وقادر على تمييز الآراء الواقعية والأفكار المنطقية بمعزل عن دوافع أصحابها الشخصية..

طبعاً هناك من سيحذرك من هذا الفعل والتجرؤ على كسر دائرتك المعرفية الضيقة.. وشخص كهذا إما يحاول المحافظة على سلطته الفكرية عليك أو (في حال أحسنا الظن به) لا يثق حتى الآن بعـقلك وقدرتك على التمييز...

كل ما أطلبه منك هـو أن تنوع مصادرك وتستمع لمن يختلف معك.. أن تطلع على الأفكار المقابلة، وتستمع للآراء المعارضة، وتقف على نفس المسافة من الجميع حتى تشكل رأيك الخاص والنهائي..... وحتى تشكل رأيك النهائي، افتح نوافذ عقلك كي لا يموت اختناقاً..

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض