المرور مسؤولية من؟

كل ما أسمعه وكل خبر أقرأه عن تطور في مسألة المرور يتوقف دائماً عند العقوبات. خمسة آلاف.. حجز مركبة.. حبس السائق إلخ. امتثالاً للقول القديم (الضرب بيد من حديد). لا بأس في ذلك فقضية المرور في شوارع المملكة تستحق الضرب بقضبان أشد من الحديد لو توفرت. المفحطون والمستهترون لم يحسوا بثقل المواجهة. أقترح أن نبدل استراتيجية المواجهة. من الضرب بيد من حديد إلى تحمل بالمسؤولية. أن نبدأ برجل المرور الذي يتحمل مسؤولية إدارة هذه المعركة.

عملت في التدريب سنوات. تعلمت أن التدريب لا يقدم مهارات. لا يكسب المتدرب المهارة التي يحتاجها فقط. التدريب أحد أهم أسباب الولاء والشعور بالانتماء للمؤسسة التي يعمل بها. ولاء رجل المرور للمرور هو أن يؤمن بأن قوانين المرور وعقوباته صحيحة وعادلة ويجب أن يراها في نفسه وفي أولاده. إذا رأيت رجل مرور لا يلتزم بنظام المرور فأعرف أن هناك خللاً في البنية الإدارية في المرور نفسه. لا يمكن أن يعمل المرور بكفاءة ما لم يتم تطوير الإحساس بالمسؤولية عند رجل المرور. رفع كفاءة رجل المرور ترفع معنوياته وقدراته وولاءه وانتماءه.

في إحدى المرات وقفت عند إشارة مرور في تورنتو. أخذت أحصي لوحات التعليمات المرورية، بلغت ست عشرة لوحة تقريباً. للوقوف وللانعطاف والاتجاهات وللمدارس ولا يحق لك الانعطاف يمين من الساعة كذا إلى الساعة إلخ. في كل حي وفي كل مكان ثمة لوحات مرورية تخص طبيعة السكان. إذا كان هناك كبار السن وجدت لوحات تنظم هذا الأمر وإذا كان هناك منطقة سكنية بها أطفال وإذا هناك مدارس وراكبي الدراجات إلخ. تتناغم هذه اللوحات مع الرسوم والخطوط على الأرض. سترى الأرض وكأنها لوحة مرسومة على الشارع. خط الوقوف تماماً والتأكد من خلو الطريق وخطان أصفران وخط أصفر مفرد وخط متقطع وخط أبيض مستمر وخطان أبيضان إلخ. هذه البنية التحتية المعقدة هي التي يقوم عليها مفهوم قيادة السيارة والحصول على الرخصة.

الرخصة في كندا على ثلاث مراحل. كل مرحلة تحتاج إلى اختبار. جودة السياقة في كندا لا تعني اتقان التصرف بالدركسون (الطارة) وإنما باستيعابك لقوانين المرور وعقوبات المرور وقواعد المرور وآداب المرور. قدرتك على قيادة السيارة لا يعتد بها إذا لم تتفق مع استيعابك لمتطلبات الحصول على الرخصة.

إذا أردنا مرور آمن فالعقوبات هي آخر شيء نفكر فيه. نوفر جندي مرور مدرب. ثقافة الرخصة وإجراءات امتلاكها، وقبل ذلك إعداد الشوارع وتجهيز البنية التحتية. منذ أن وعيت كلمة مرور في المملكة لا أسمع من إدارة المرور إلا زيادة العقوبات. أصبحت الاستراتيجية أن يتحمل السائق كامل مسؤولياته بأقصى العقوبات ليتخلى المسؤولون في المرور وفي البلديات عن مسؤولياتهم.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض