حرب العقول.. الإعلام والحرب النفسية!!

لا تأتي بجديد إذا أردت أن تطرح وجهة نظر حول الإعلام وسلطته ونفوذه، وكيف «يقولب» الرأي العام ويسيسه، ولعل تجربة الـ«سي. إن. إن» موضوع جدل في تأثيرها نقل الأحداث من قلب معارك حربي الخليج والبلقان وأفغانستان وحتى لو كانت تسير بإرادة الاستخبارات الأمريكية في المقبول والممنوع نشره، فإنها غيرت مفاهيم الإعلام الحديث بهندسة متميزة، طارحة أن الإعلام ليس فقط تعبيراً عن مصالح وأيدلوجيات لدولة عظمى، وإنما كمشروع اقتصادي وسياسي..

الإعلام لا ينفصل موضوعياً، عن الحرب النفسية بين الدول والشعوب، وإذا أردنا تقريب المسافة بيننا كأمة عربية، ومحيطنا المتقاطع معنا أمنياً وروحياً، فإننا يجب أن نقدم كيف انتصر الإعلام الإسرائيلي في حروبنا الباردة والساخنة، وكيف عمق وزيف صورتنا أمام العالم؟..

تعتمد إسرائيل على جمع المعلومات ليس فقط الأمنية وميزان القوة العسكرية بيننا وبينها، وإنما نبض الشارع، كيف يفكر وماهي مطالبه، وكيف رضاه وسخطه عن سلطته إلى آخر ما يبني الإستراتيجية الإعلامية على أسس علمية لا تخضع للاجتهادات وإنما التحليل من خلال خبراء في مراكز معلومات يضعون كل شيء في معيار التأثير على الرأي الآخر، وقد أسست منظومة هائلة بين أوساط الأمريكيين والأوربيين بجبهة عريضة جعل نفوذها يصل إلى التأثير على صانع قرار تلك الدول وتوجهاتها..

إيران لعبت نفس الدور ولكن بنمط الدعاية المذهبية لصالح القومية "الآرية"، وقد وسعت دائرة نفوذها في قلب عواصم عربية وبإدارات يديرها مواطنون عرب جعلوا الانتماء للمذهب أقوى من التاريخ والوطن والأرومة، وهي نفس الأحداث عندما تحولت لبنان إلى وزارة إعلام عالمية تخوض معارك عربية على أرضها لخدمة مصالح الدول الخارجية لتنتهي إلى كارثة الحرب الأهلية التي وزعت الولاءات بين المذاهب واعتبار المكون الوطني مجرد دكان تعلن فيه المزادات لمن يكون صاحب الرقم الأعلى في الدفع لكسب هذه الخدمة، تماماً مثل الصحف المهاجرة للعواصم الغربية والتي أخذت نفس الدور وبأموال العرب بتحاربهم لمصالح دول تدير هذه القوى لغاياتها ونفوذها..

ظاهرة محطة الجزيرة لقطر جاءت لتخلف ذلك الإعلام المسيس بخبرة من الـ«بي. بي. سي» والتي كانت وراء إذاعة الشرق الأدني في قبرص التي خاضت معاركها مع العرب بكل انتماءاتهم في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ورغم بعد محطة الجزيرة عن التمويل الخارجي لتكون حكومة قطر من يقوم بهذا الدور، إلا أن انكشافها أسقط مفهوم حرية الإعلام ببلد لا يتحمل نقد مركز شرطة، وهنا أخذت مجاميع المتعاملين مع الأفق المفتوح للإعلام الحديث من المواطنين المقاطعين لقطر فتح أرشيف الدولة والمحطة معوضة عن إعلامنا الرسمي التقليدي بحرب إعلامية صدامية حيّرت من بنوا وأسسوا للإعلام القطري بمعلوماتهم وأفكارهم..

مشكلة الإعلام العربي أنه تابع لا حر، أي من يختار الموضوع والحدث والهجوم والدفاع عن الوطن والسلطة، وبذلك سقط مفهوم الإعلام الموضوعي لصالح الإعلام الساكن وغير المؤثر، فيبقى على طابعه يردد نفس المفاهيم والأقوال..

بقلم: يوسف الكويليت - الرياض