الميكروبات التي يجب أن نخشاها

هل سألت نفسك يوماً لماذا يلبس علماء ناسا ملابس بيضاء معقمة؟ ... ليست مجرد ملابس بيضاء، بــل ومصنوعة من مواد مضادة لأي ميكروبات قد تتسرب للأرض..

والأمر ليس مزحة بل إجراءً إلزامياً يندرج تحت قانون أصدره الكونغرس الأميركي عام 1969 يُـلزم ناسا (وعموم المواطنين) باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية الأرض من أي حياة كونية غريبة.. لهذا السبب يتم احتجاز رواد الفضاء في محاجر صحية معقمة قـبل وبعـد رحلاتهم الفضائية.. والطريف أن الرئيس نيكسون كان أول ضحايا هذا القانون، حيث منع (حين قرر زيارة موقع إطلاق المركبة التي هبطت على القمر) من الالتقاء برواد الفضاء، واضطر للحديث معهم بالهاتف من خلف نافـذة زجاجية صغيرة...

ورغـم أن عشاق نظرية المؤامرة في أميركا يعتقدون أن الهدف من هذا القانون منعهم من التواصل مع المخلوقات الفضائية، إلا أنه يعتمد على حقيقة أن الفضاء الخارجي يملك عناصر مجهرية قـد تتسبب بكارثة بيولوجية على الأرض.. قــد تكون فيروساً قادماً من كوكب بعيد، أو جراثيم هاجعة لا نملك ضدها مناعة، أو فطريات تدمر محاصيل الأرض، أو إصابة رواد الفضاء أنفسهم بأمراض "غير أرضية" لا نعرف لها علاجاً...

أنا شخصياً مازلت أذكر الضجة التي أثيرت قبل 17 عاماً بخصوص "المحطة الروسية مـييـر".. ففي عام 2000 أعلنت موسكو إخلاءها بسبب تراكم المخلوقات المجهرية فيها، وتوجيهها للسقوط نحو الأرض.. وحينها لم يخش العالم سقوطها كقطع معدنية بــل تضمنها جراثيم وطفيليات تراكمت خلال تواجدها في الفضاء الخارجي.. ومن المفارقات أن هذه المحطة بالذات (التي بدأ تركيبها منذ السبعينيات ومازالت أقدم هيكل روقب في الفضاء) أكدت قدرة المخلوقات المجهرية على النمو خارج الأرض؛ فبعد عامين من إطلاقها استضافت عالمة أحياء حاولت رؤية الأرض من نافذة المحطة.. لم يلفت نظرها جمال الأرض بل وجود فطريات رمادية على السطح الخارجي للنافذة (حيث ينعدم الأوكسجين وتنزل الحرارة لما دون الصفر بكثير).. وخلال العشرين عاماً التالية تم التعرف على هذه الفطريات بشكل أفضل - خصوصاً بعد تكاثرها حول الهيكل والنوافذ الخارجية وبدئها في الدخول والتهام خراطيم الوقود وأجهزة التكييف!!

واليوم أصبح مؤكداً أن الفضاء الخارجي لا يزخر فقط بجراثيم تلتهم المعادن والبلاستيك، بــل وميكروبات يمكنها أن تعمر (مثل زميلاتها على الأرض) لملايين السنين...

والمدهش فعلاً وجود فرضيات تدعي أن عدداً كبيراً من الميكروبات الفضائية دخلت الأرض فعلاً من خلال النيازك، وتسببت في ظهور أوبئة مفاجئة.. سبق وكتبت مقالاً عن هذه الفرضية بالذات، تساءلت فيه عن عدد الأوبئة التي انتشرت في الأرض لهذا السبب.. فهل انتشار "الطاعون الأسود" مثلاً وإبادته لثلث سكان الأرض سببه جراثيم غريبة قدمت من الفضاء؟ وهل مرور الأرض في خط "المذنب هالي" كان سبباً في انتشار الإنفلونزا الإسبانية التي قتلت 30 مليون إنسان في عشرينات القرن الماضي...؟

... قد تكون الفكرة مخيفة بعض الشيء، ولكن لا ننسى في المقابل أن ميكروباتنا (الأرضية) يمكنها مستقبلاً تدمير أي غـزاة فضائيين لا يملكون مثلنا مناعة ضدها.. تماماً كما حدث في فيلم حرب العوالم...

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض