يتغير المستقبل إذا تغير الاهتمام

ما الذي سيكون عليه المستقبل. بالنظر إلى الماضي سوف يتبين لنا ما يمكن أن يكون عليه المستقبل. عملية التنبؤ توظف دائماً العناصر المتوفرة أمام العقل في زمن التخيل. عندما تتخيل الحياة بعد خمسين سنة سوف تسأل عن شكل الجوال خدمات الجوال إمكانيات الجوال. سوف يدور خيالك حول الأجهزة والتكنولوجيا والمشكلات القائمة الآن. سيسأل خيالك عن الإرهاب والصراع الطائفي.. إلخ.

كانت الصحف تطبع في الرياض أو لندن ثم تشحن بالطائرة إلى المدن الأخرى. طرحت في الثمانينيات تكنولوجيا طباعة الصحف عبر الأقمار الصناعية. تطبع الجريدة في الرياض وجدة ولندن ونيويورك في نفس الوقت. لك أن تتخيل الثورة التي حصلت! بناء على هذه التكنولوجيا المتقدمة والواعدة بدأ المستقبليون يتحدثون عن طباعة الصحف في المنازل. كان المتخيل أن يركب جهاز طباعة مثل أجهزة صراف اليوم في كل بيت باشتراك محدد. يبعث مركز الطباعة الإشارة فتنزل الجريدة مطبوعة جاهزة في المنزل. كان خيالاً متسقاً مع الواقع ومع المعطيات المتوفرة ومع الاحتياجات. ما حصل هو ما ترونه اليوم. جاءت الإنترنت من حيث لا نحتسب وغيرت المفهوم والاهتمامات وفي طريقها لتغيير المفاهيم أيضاً. أصبحنا أمام واقع جديد.

الأمر لن يتوقف عند التكنولوجيا. عندما تتبدل الاهتمامات سوف تتبدل الصراعات. ما كنا نتخاصم حوله سيفقد أهميته. عندما تفتش في كل صراع سترى أن الاقتصاد يقف خلفه حتى وأن كان يقف من بعيد. هذه ليست نظرة اشتراكية بقدر ما هي واقعية. لنفترض أن قبيلتين تتصارعان على مورد ما، واستمر هذا الصراع جيلاً بعد جيل. بسبب الدم المراق وحملات التعبئة والدعاية والدعاية المضادة ستنمو بين القبيلتين حواجز عرقية ودينية وطبقية. بعد سنين أكثر سوف يغوص السبب الأساسي خلف مجموعة كبيرة من الادعاءات وسنرى أن الحرب لا تأتي على ذكر السبب الأساسي وغالباً لا تعرفه الأجيال الجديدة. كل من ينظر إلى الحرب سيراها بمنظور القيم المزعومة التي يتحدث عنها أطراف النزاع. سوف تستمر هذه الحرب القبلية لأن اقتصاد القبيلتين لم يتغير نمطه وليس لأن الطرفين يحافظان على مبادئهما. إذا بقيت الإيمانات القديمة على حالها فستبقى الزعامات المستفيدة من استمرار الحرب كما هي.

كان الوضع في أوروبا كالوضع القائم في منطقتنا. الذي حدث في أوروبا أن الثورة الصناعية سلبت من الإقطاعيين ورجال الدين قوتهم الاقتصادية ونقلتها إلى طبقة جديدة. انهار الاقطاع وانهارت معه القوة الطفيلية التي كان يتمتع بها رجال الدين. ظهر إنسان جديدة باهتمامات جديدة. ما جعل أوروبا تسيطر على العالم أن طرحت فكرة جديدة للتعامل مع هذا الكون، ومن بقي على حاله من الأمم كحالنا لجأ إلى نظرية المؤامرة.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض