الرياض.. وموسكو.. عصر من التفاؤل..
تاريخ الجزيرة العربية ممتد إلى عصور سحيقة، وحين يذكر هذا التاريخ نرى أربعة عشر قرناً ارتبط العالم الإسلامي بهذه الجزيرة، وعندما نقرأ سيرة المملكة العربية السعودية، تطل علينا وحدتها في عصورها المتواصلة، وكيف أصبحت قبلة هذا العالم الكبير..
الملك سلمان عنقود في شجرة الحكم استطاع بزمن قصير أن يضعنا على عتبة العصر الحديث بخبرته الطويلة وإدراكه لتحولات الداخل والخارج وسط فوضى المنطقة، وكيف يعبر الجسر بأمان صاغ رؤية «2030» بزخمها الكبير مدركاً أن بناء الداخل ليس وجهات نظر تتعدد فيها الاجتهادات، وإنما قرارات حاسمة لزمن لا يقبل التأجيل أو الانسداد عن منجزات العصر وسياقه المحموم..
ومثلما أدرك أن رابط السياسة الداخلية بالخارجية تبنى على المصالح وليس الإملاءات والولاءات، فإن تعدد زياراته لمختلف دول العالم تنطلق من هذه النتيجة ومن قوة المملكة سياسياً، واقتصادياً وروحياً في منطقتها وخارجها، ولهذه الاعتبارات تأتي زيارته لروسيا محملة بالعديد من الملفات، أهمها استقرار المنطقة التي عصفت بها الفوضى وتداخلت فيها صراعات القوى الخارجية مع الداخلية..
المفهوم العام يطرح السؤال ماذا عند روسيا تبادله مع العالم غير السلاح؟ منطق غير واقعي فروسيا اختل توازنها بعد تفتت الاتحاد السوفيتي وعاشت مرحلة مضطربة في حرب الشيشان وتمرد قوميات أخرى، لكن وصول الرئيس «بوتن» للحكم غير الواقع برمته وضبط إيقاع الدولة فأصبحت قوة عظمى ليس بمخزونها من السلاح النووي والتقليدي، وإنما بعلوم الفضاء والطاقة النووية والتقليدية وبلد أساسي في إنتاج القمح والشعير وتاريخ يعج بالعلماء والكفاءات بمختلف المجالات..
ميدان التوسع بالاتفاقات التقنية والمالية ودورهما في إدارة أسواق النفط والتعدين وفتح المبادلات التجارية على المستويين الرسمي والأهلي هيئ لهما من خلال الزيارات المتبادلة، المناخ المفتوح، وتبقى الأزمات في المنطقة تأخذ أهميتها الكبرى لأنه من دون سلام واستقرار لا تتحقق أبنية التنمية، ومن يعتقد عزل أمن منطقة عن أخرى يجهل كيف عصفت منظمات إرهابية مثل «بادر مانهوف والألوية الحمراء» وغيرهما بالاستقرار العالمي، لتأتي القاعدة وداعش لتنطلقا من نفس الفعل ليكون الارتداد على من قاموا بتأسيسهما، ضرب قواعد أمنهم، وطبيعي أن الخيار الأساسي لمكافحة الإرهاب وسد منفاذه من داعمين مادياً وسياسيا والدعوات للجهاد لخلق الاضطرابات، هَمّ أساسي في مباحثات الزعيمين..
الخارطة العالمية تتغير بإيقاع متسارع، هناك تحالفات تعيد صراعات الحرب الباردة، وسياسات الاحتواء أو التدخل العسكري المباشر، وحتى المقاطعات، لكن بالمقابل هناك قوى تتشكل لتكون أقطاباً جديدة، تريد تعديل موازين القوى ورفض احتكار الهيمنة على العالم من قطب واحد، وفي هذا المعترك العالمي تبقى الصداقات تتغير بقوة ضغط المصالح، لكن من يملك قوته الذاتية يحصل على مصدر أمنه ومنافساته في سوق مفتوح على كل المفاجآت..
بقلم: يوسف الكويليت - الرياض