روسـيا والمملكة والملك سلمان

زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- لروسيا تأتي في أنسب وقـت لها.. السعوديون يعرفون أن روسيا دولة كبرى يصعب تجاوزها في قضايا عالمية كثيرة.. وفي المقابل يعرف الروس أن المملكة دولة ذات ثقل عربي وإسلامي، مستقلة برأيها ومكتفية باقتصادها.. ولا تشتري منهم الكثير..

الروس قلقون من التوسع الدائم لحلف الأطلسي أو الناتو ناحية الدول المتاخمة لحدودهم الغربية (خصوصا بعد أن ألغوا طواعية حلف وارسو منذ عام 1991 الذي كان يضم دول الكتلة الشرقية).. كما يقلقهم سعي الاتحاد الأوروبي الدائم لضم الدول التي كانت سابقا جزءا من الاتحاد السوفييتي أو موالية له (وخذ كمثال دول البلطيق التي أصبحت اليوم تتعامل باليورو)..

ولكنها مع المملكة بالذات لا تملك ملفات تثير القلق أو لا يمكن حلها.. لا تملك مع المملكة سوى الجلوس حول طاولة مستديرة لمناقشة مستقبل النفط والأزمة السورية، وقضايا تعاون سياسي واقتصادي لم يفصح عنها بعـد..

فروسيا تأتي دائما كثاني أو ثالث منتج للنفط في العالم (بعد المملكة وأمريكا).. المشكلة؛ أن بعض وسائل الإعلام الروسية مازالت تلمح لدور المملكة في خفض أسعار النفط من خلال رفضها خفض إنتاجها المحلي.. طُرح علي هذا السؤال حين أجريت لقاء في موسكو سألني فيه المذيع: هل تعتقد أن هناك اتفاقية خفية بين المملكة وأمريكا لخفض أسعار النفط؟ قلت بلا تردد: المملكة آخر دولة قد تستفيد من انخفاض النفط كون 90% من اقتصادها يعتمد عليه.. المملكة ببساطة لا تريد أن تخسر أسواقها العـالمية أو تخل بالتزاماتها مع الدول المستوردة لنفطها.. وفي المقابل تنتج روسيا كميات موازية للنفط السعودي ومع هذا لم تـسـع يوما لخفض إنتاجها النفطي، ورفضت التعاون مع منظمة الأوبك قبل وبعد انهيار الأسعار، رغم أن اقتصادها متنوع لا يعتمد كالمملكة على النفط..

وتأتي الزيارة في وقـتها عطفا على عـدة مؤشرات إقـليمية وسياسية واقتصادية كثيرة..

فهي تأتي في وقتها لبحث أفق التعاون الاقتصادي والتنسيق بين الطرفين فيما يخص تماسك أسعار النفط..

كما تأتي في وقتها بسبب انحسار تنظيم داعش في سورية وبلاد الشام والدور المتبقي للقوات الروسية هناك..

وتأتي في وقتها لتؤكد على استقلالية القرار السعودي بخصوص الأزمة السورية وحقها المشروع في احتواء أزمة الحوثيين في اليمن..

ومجرد وجود الملك سلمان في موسكو يؤكد أن حالات عـدم التوافق (وإن حدثت بين البلدين) غالبا ما تكون ظرفية وقاهرة ولا تعني مطلقا عدم رغبة الرياض وموسكو في الاحتفاظ بعلاقات ودية مشتركة (بدليل زيارة خمسة مسؤولين سعوديين كبار لموسكو منذ عام 2003).. وكما يقولون في روسيا: بمجرد أن يدخل صديقك من الباب يصبح الماضي في طي النسيان.

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض