القيادة حق للمرأة.. والسيارة مجرد وسيلة نقل

26 سبتمبر سيكون يوما مميزا في تاريخ المملكة.. سيكون اليوم الذي نالت فيه المرأة أحد حقوقها الطبيعية.. وبعيداً عن الأسباب التي وقفت وراء هذا المنع من ممارسة هذا الحـق البديهي الذي لا أدعـي جهلي بأسبابه التي يقدمها المعارضون ولكنها ــ ببساطة ــ لم تـعـد مقنعة لأحـد..

كانت أسبابا، ليست فقط افتراضية واستثنائية، بــل إن بعضها فيه تطاول على طبيعة المرأة وعفتها الشخصية.. فأي عذر هذا الذي يمنعها من القيادة (خشية فسادها) أو (خشية إفسادها) أو (خوفا من اعتداء الفاسدين عليها).. هذه الحجج ليست فقط افتراضية وتخمينية بـل ومهينة لبناتنا وزوجاتنا وأمهاتنا.. لا تعتمد على دراسات أو تجارب بل على فرضيات وعموميات واتهامات لا يمكن النقاش حولها.. السيارة مجرد وسيلة نقل ليس لها دور في فساد أو إفساد المرأة..

ومقابل حق المرأة البديهي في التنقل وكذلك حاجة الأم والمدرسة والطبيبة لوسيلة نقل آمنة وفعالة، لا يوجد في مصادرنا الدينية نص واحد يمنعها من ذلك.. لماذا إذا نحرم المرأة من قيادة ماكينة صماء تحفظ كرامتها (ومن أجل من نمنعها هذا الحق؟).. لو كان في القرآن والسنة نص يحرم ذلك لوقفنا كلنا ضد هذا القرار ــ بل وضد العالم كله، ولكن حين نكتشف أن العكس هو الحاصل (حيث كانت المرأة تقود وتتاجر وترشد القوافل) ثم نأتي نحن لنحرم ذلك (بلا دليل شرعي).

لن أحاول اليوم تفنيد حجج المعارضين لهذا القرار، ولكنني أعرف شخصيا (ومنذ سنوات طويلة) شيوخا أفاضل ما يزالون يعارضون قيادة المرأة للسيارة.. وخلال هذه السنوات لاحظت انتقالهم من خانة المعارضة على (أساس ديني) إلى المعارضة على (أساس اجتماعي).. حين كانوا يعارضون على أساس ديني كانوا يحتجون بكل شيء باستثناء "قال الله وقال الرسول" وحين أصبحوا يعارضون على أساس اجتماعي كانوا يتحدثون باسم مجتمع لم يستشيروه ويحتجون باحتمالات تصورية واستثنائية.. رغم أن الاستثناء ليس له حكم..

أنا شخصيا أقدر آراء المعترضين ــ بما في ذلك والدي ووالد زوجتي ــ ولكنني أدرك أن مخاوفهم افتراضية وأن مساوئ منع المرأة من القيادة أكبر من السماح لها.. كلي ثقة بأن الزمن سيثبت سلامة هذه القرار ويؤكد بُعـد نظر القيادة (كما أثبتت ذلك في تعليم البنات واستعمال اللاسلكي ووسائل الاتصالات).. كلي ثقة بأن من يعترض اليوم سيبادر غــدا لشراء سيارة لزوجته وبناته خوفا عليهن من السائقين والمارة وخطورة الانتظار في الشوارع...

بقي أن أذكركم بنقطة مهمة وهي أن قرار السماح لا يعني أن النساء سيغزون شوارعنا غـدا؛ فهناك عائق فـني يحول دون ذلك ويتمثل في حقيقة أن معظم نسائنا (لا يجدن القيادة أصلا) حتى لو رغبن في ذلك.. سيحتاج الأمر لسنوات طويلة (كما يحدث مع أبنائنا المراهقين) كي يُجـدن القيادة ونبدأ برؤيتهن في الشوارع.. وهذا بحد ذاته أمر جيد وتدرج زمني مفيد يهيئنا نفسيا، وفكريا، ومروريا، واجتماعيا لتقبل هذه الظاهرة..

بقلم: فــهـد عـامـر الأحـمدي - الرياض