وزارة الداخلية ترسم علاقة الدولة بالمواطن
إن أردت الحكم على علاقة الدولة بشعبها فأنظر إلى أداء وزارة الداخلية فيها ــ وليس أداء وزارة الخارجية أو سفرائها في الخارج..
فوزارة الخارجية مهمتها تجميل أداء الدولة مهما كان مستواها الداخلي وإظهارها أمام العالم بمظهر جميل وبراق (بدليل ما تحاول فعله وزارة الخارجية القطرية هذه الأيام).. أما وزارة الداخلية فتتعامل بشكل مباشر مع المواطن وأمن الوطن ولا يمكنها (حتى إن أرادت) تبرير اضطهاد الناس أو انتهاك حقوق المواطنين.. خذ كمثال أداء الدولة في سورية وإيران (أو حتى الحوثيين في اليمن) لتكتشف مظاهر القهر والطغيان في الداخل، ومحاولات التجميل والتبرير في الخارج ــ الأمر الذي يخلق تناقضات تطعن في مصداقية الدولة نفسها..
وتقييمي الشخصي لوزارة الداخلية (في بلادنا) لن يخرج أو يبتعد عن هذا المقياس .. يعتمد في المقام الأول على طريقة تعاملها مع المواطن وسعيها لحمايته دون الاعتداء على كرامته أو عسكرة مجتمعه.
لن أتحدث عن نجاحاتها المتواصلة في مكافحة الإرهاب (فجميعنا يقدر ضرباتها الاستباقية بهذا الشأن) ولكن عن التعامل الإنساني والجانب الأبوي الذي لا يتحدث عنه أحد .. فـمن يعرف مثلا أن وزارة الداخلية لدينا تنسق مع الآباء والعائلات لإجهاض محاولات تهريب أبنائهم لمناطق القتال في الخارج.. من يعرف أنها تضمن للمعتقلين (لأسباب إجرامية أو إرهابية) مستوى من الكرامة والاحترام لم يتدن يوما لمستوى المعتقلات السيئة التي نسمع عنها عالمنا العربي.. من يعرف أيضا أنها تصرف للمدانين ــ بعد خروجهم ــ رواتب شهرية وتساعدهم في الحصول على وظائف مناسبة (ناهيك عن مكافآت الزواج والحج مع أفراد العائلة) حتى يقفوا على أقدامهم ويندمجوا مع مجتمعهم ويؤسسوا أسرهم بطريقة طبيعية...
أما بالنسبة لعموم الناس فمن الملاحظ (وقارنوا وضعنا الأمني بأربعة شعوب محيطة بنا) أننا نعيش في مجتمع آمن لا يخشى فيه المواطن على سلامته وسلامة عائلته حتى في حال سفره لأشهر وسنوات.. لا يعاني الناس من حالات طوارئ، أو إجراءات تعسفية، أو اعتقالات على الهوية أو تصنيفات الطائفية كما يحدث في بعض الدول العربية.. لا توجد فيه حواجز أمنية كل ثلاثين متراً تدقق في نوايا المواطنين أو تحد من تنقلاتهم ــ في حين يملك رجال الأمن تعليمات مشددة باحترام مشاعر المواطنين وخصوصية العائلات السعودية...
نحن كمواطنين لسنا معنيين بمهام وزارة الخارجية في الخارج بقدر اهتمامنا بأداء وزارة الداخلية في الداخل.. نريدها ضامنة لأمننا وحياتنا وحريتنا من جهة؛ وعدم تحولها إلى سلطة عسكرية تعتدي على حقوقنا أو تتدخل في حياتنا الشخصية من جهة أخرى (وهذه بدون شك معادلة دقيقة ومهمة)..
والجميل فعلا أن وزارة الداخلية لدينا نجحت في التوفيق بين هذين المتناقضين.. لاحظ بنفسك كيف نجحت في توفير بيئة آمنة ومستقرة (مقارنة بالأوضاع المتردية التي تعيشها بعض الدول حولنا) وفي نفس الوقت لا نكاد نشعر بوجودها أو تدخلها في حياتنا الشخصية .. تعامل رجالها الراقي معنا جعلنا لا نشعر بوجودها أصلا ـــ بــل وأصبحنا ننتقد اختفاء رجالها من شوارعنا ..
سيعتبر البعض كلامي تملقاً؛ ولكن هل ما قلته واقع ؟ ... مرة أخرى ؛ أذكركم بخطأ الحكم على أي دولة من خلال وزارة الخارجية، وأهمية الحكم عليها من خلال وزارة الداخلية...
بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض