الحج آمن في بلد آمن

مكنت المملكة العربية السعودية بفضل من الله خلال الـ 32 عاما الأخيرة (1407 – 1438)، من استضافة نحو 62 مليون حاج وحاجة إلى بيت الله الحرام، سخرت طوال تلك الفترة وما سبقها من أعوام جهودها كاملة، ولم تتأخر يوما عن تقديم كل ما يمكن أن يوفر لتلك الملايين من حجاج بيت الله الحرام، إمكانية وتسهيل أدائهم الركن الخامس من أركان الإسلام. 

بل سخرت أكبر من 10 في المائة من إجمالي موارده الاقتصادية، لأجل تطوير وتحسين وتوسعة الحرمين الشريفين، ولم تدخر من الموارد اللازمة شيئا لأجل الوفاء والنجاح بذلك الدور العظيم، الذي وضعته في سنام أولوياتها تجاه الدين والأمة منذ تأسيسها على يد المؤسس المرحوم بإذن الله تعالى حتى اليوم، وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها. إنها الجهود التي يجهل الكثير من خارج المملكة حجمها وصعوباتها، بل تفوق إمكانات أغلب الدول، إن لم تكن جميعها، حينما تستضيف دولة من الدول أكثر من 20 في المائة من حجم سكانها خلال أقل من أسبوعين. 

فهي جهود تتطلب تسخير وتوفير مئات الآلاف من الموارد البشرية (أمنيا، صحيا، خدمات، إلى آخر الجوانب الأخرى المساندة)، عدا الأرصدة المالية والمادية الهائلة التي تفوق ميزانيات الكثير من الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى ضرورة إعداد وتأهيل وتطوير البنى التحتية على جميع المستويات، بدءا من الموانئ والمطارات والطرق والمواصلات والمستشفيات والمراكز الأولية للعناية الصحية وغيرها من المرافق اللازمة لأداء هذه المهام الجسيمة، التي تعجز عن الوفاء بها دول مجتمعة تنتمي للدول النامية، ولا يعلم بحجمها إلا دول متقدمة تدرك تماما متطلبات واحتياجات استضافة هذه الملايين من البشر في بقعة صغيرة المكان، وخلال فترة وجيزة لا تتجاوز الأيام المعدودة. 

ولا يسرد كل ذلك كمنة من المملكة، بقدر ما أنه بيان بالغ الأهمية لحقائق قد تكون غابت جهلا أو عمدا، وقف وراءها عديد ممن اعتدنا على سماع أصواتهم النشاز بالتزامن مع كل موسم للحج، لا تكتفي بعضها عن ترديد اتهاماتها المعلومة الأهداف إلى المملكة في كل مناسبة، بل قد تراها تتورط لمرات ومرات في تعمد إحداث كل ما يمكن أن يربك على حجاج بيت الله أداءهم فريضة الركن الخامس من الإسلام، ولست أنا ولا غيري في حاجة إلى عناء إثبات خبث نيات تلك الجهات، والجرائم التي تورطت في ارتكابها في أطهر البقاع المقدسة على وجه الأرض، وذهب ضحيتها المئات أو الآلاف من حجاج بيت الله. 

ولا عجب أن يأتي التشكيك في قدرة بلادنا على أداء ما هو أولى أولوياتها، سواء من دولة صفوية مجاورة، لم تتورع منذ فتنتها الأولى عن ممارسة عبثها، أو حتى أخيرا من القيادة الصغيرة العابثة في قطر، التي لجأت إلى حيلة كاذبة تستهدف منعها مواطنيها من الحج، رفضا لاستضافة خادم الحرمين الشريفين لهم، وأنهم إخوة قبل أي اعتبار آخر في الدين والدم والجوار. 

في الوقت ذاته الذي تدنست أيديهما الآثمة في استباحة وسفك دماء عشرات الملايين من المسلمين، وما تسببت فيه من إثارة للفتن والفرقة والصراع بين مجتمعات المنطقة. وماذا جنت منطقتنا العتيقة في تاريخ حضارة العالم من أئمة الفتن منذ استولت على السلطة حتى تاريخ اليوم غير الحروب والفتن والقتل وسفك الدماء؟ ومن هي اليد الأطول خلف كل حدث إجرامي يرتكب في المشاعر المقدسة غير يديها الآثمتين؟ ومن هم الحجاج الذين يأتون لغير أداء فريضة الركن الخامس من أركان الإسلام غير أولئك الآتين من تحت أقدام أئمة الإثم؟ 

ويفوق العجب أقصى درجاته؛ أن يأتي من اقتحم على المجتمعات سكينة حياتهم، وانتزع دون رحمة أو اعتبار إنساني استقرار وأمن حتى من سكنوا بيوتهم آمنين، ليتبجح بأنه أكثر حرصا على حجاج بيت الله ممن سخر كل ما لديه من مقدرات وإمكانات لأجل حسن وفادتهم طوال العام، وأنه وهو الواقف خلف كل فتنة وجريمة حرب في المنطقة، قد يهيأ إليه من وسوسة الشياطين في فكره ومن حوله أنه سيكون أهلا لهذه الرسالة والمهام الجسيمة! 

لا يمكن ليد آثمة تدنست باستباحة دماء المسلمين أن تمد راحتها في رحمة إلى مجرد واحد منهم، فما بالك وأنت تتحدث عن مدها إلى أكثر من مليار مسلم حول العالم! لقد أفاء الله على بلادنا الموحدة، المتمسكة بشريعة الله فعلا وقولا، لا مجرد شعارات خادعة كاذبة، بالقيام على أداء واجبات الحرمين الشريفين، وهو أمر تشرف به أبناء وبنات بلادنا كافة، حاكمين ومحكومين لا فرق بين أحدهم تجاه هذا الواجب المقدس، ولن تستطيع أي قوة في العالم مهما بلغ بها حلمها المغذى من وسوسة الشيطان أن تنتزعه من قبضة أحفاد الصحابة وورثة الدين القويم، وإن بلادنا ستمضي كعادتها ودون هزة في قلب أي فرد منها في طريقهم الذي رسموه، طريق التشرف بخدمة الدين والأمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأنه مع كل زيادة في الغل والحقد والفتن في قلوب امتلأت وتشبعت بها، لن يقابلها إلا زيادة بالإيمان والتمسك بشرع الله القويم والتوكل على رب العالمين في قلب كل سعودي وسعودية، ولتعلم الدولة الصفوية وأذنابها وكل من مال ميلهم الشيطاني أنه يوجد على أرض المملكة العربية السعودية نحو 22 مليون خادم للحرمين الشريفين. والله ولي التوفيق.

بقلم: عبد الحميد العمري - الاقتصادية