الشعوب الكسولة

ليس لدي شك بأن شعوب العالم تتدرج بين الخمول والكسل بتدرج الحرارة وخطوط العرض.. ترتفع نسبة الحركة والنشاط في المناطق الباردة (كرد فعل تلقائي لرفع حرارة الجسم) في حين تنخفض في المناطق الحارة (لمنع حرارة الجسم من الارتفاع لأكثر مما هي فعلا) ..

لاحظ بنفسك كيف يغلب الكسل والخمول (ناهيك عن نومة القيلولة) بين الشعوب الأفريقية والاستوائية .. وفي المقابل يغلب النشاط والحركة بين الشعوب الأوربية والشمالية التي لا تعرف معنى القيلولة.. ليس أدل على ذلك من أن الألعاب الذهنية والتي تمارس دون حركة (كالشطرنج والزهر والكيرم) اخترعت في الشرق الحار، في حين اخترعت الألعاب الرياضية التي تمارس في الهواء الطلق (ككرة القدم والجولف ومسابقات الجري) في الغرب الباردة.. في بلاد العرب بالذات كان البعـد عن حرارة الشمس من النعـم التي يفتقدها معظم الناس ولا يجدون لها حلا غير السكون والبقاء في الظـل.. لهذا السبب تكررت كلمة الظل ومشتقاتها في القرآن الكريم كأحد أنواع النعم الموجودة في الجنة ــ بل وترافقت في أكثر من آيــة مع السكون وعدم الحركة مثل قوله تعالى (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون)...

غير أن أهـل الجنة لا يمرضون مثلنا ولا يموتون بأمراض القلب وانسداد الشرايين.. الخمول والسكون (بالنسبة لنا) عادة سيئة تتفرع منها مضاعفات خطيرة كالسمنة والبدانة والسكري وضعف القلب ووارتفاع تجلط الدم..

في يوليو الماضي قرأت دراسة عن معدل الحركة بين شعوب العالم (نشرت في موقع الــBBC في 12 يولو2017).. جُـمعت نتائجها من تطبيقات المشي الموجودة في جوالات 700 ألف شخص حول العالم، واتضح من خلالها أن الصينيين يمشون أكثر من أي شعب آخر بمعدل يزيد على 6000 خطوة في اليوم (وصل في هونج كونج إلى 6880 خطوة في اليوم).. يليهم في ذلك اليابانيون، ثم الأسبان، ثم البريطانيون، ثم الأمريكان .. أما في مؤخرة القائمة فـأتى الباكستانيون والسعوديون والليبيون والفنزوليون والأندنوسيون كأقل الشعوب تحركا (حيث بلغ المتوسط في اندونيسيا مثلا 3513 خطوة في اليوم)...

أيضا هناك مجلة فوربس التي نشرت تقريرا مصورا عن أكثر الشعوب كسلا في العالم Laziest Countries .. وفي هذا التقرير أتت مالطا في مقدمة الدول الكسولة (حيث لا يمارس 71,9% من سكانها أي نشاط بدني غير معتاد) وبعدها سويزلاند في جنوب أفريقيا، ثم السعودية (التي لا يمارس 68,8% من سكانها أي نشاط غير معتاد)، في حين أتت صربيا في المركز الرابع، ثم الأرجنتين في المركز الخامس، ثم ميكرونيزيا في المركز السادس، ثم الكويت في المركز السابع....

والحقيقة هي أن الخمول (وقلة الحركة) أصبحت ظاهرة عالمية جديدة .. لم يكن معروفا بين الشعوب القديمة حين كانت العضلات مصدر الحركة الأساسي، والقدمان وسيلة المواصلات الوحيدة .. أصبح الكسل يصنف الآن كوباء عالمي (يدعى pandemic of sedentarism) جلب معه مشاكل صحية جديدة كالسمنة والسكري والقلب وكسل الشرايين...

كل هذا يعـيدني لتكرار النصيحة التي طالما أجلتها وحدثت نفسك بها .. ابدأ من الغـد المشي لمدة نصف ساعة في اليوم ..

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض